أعاد تصريح الدكتور علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في حكومة الانقلاب، ملف تطوير حديقة الحيوان بالجيزة إلى واجهة النقاش العام، حين أعلن أن الوزارة "تتعاون مع شركة عالمية متخصصة من جنوب أفريقيا" بهدف تحويل الحديقة إلى "مصدر فخر لكل المصريين".
التصريحات تضمنت وعداً بربط حديقة الجيزة وحديقة الأورمان بممر جديد، وباتت ردهات الإعلام تزخر بوعود تحديثية بينما تُثير تسريبات إدارية وأسئلة عن أولوية هذه المشاريع في ظل أزمة اقتصادية حادة.
تفصيل التصريح الزمني والمضمون
صرّح علاء فاروق خلال مقابلة تلفزيونية بتاريخ 4 أكتوبر 2025 أن المرحلة الأولى من أعمال التطوير قد انتهت، وأن المرحلة الثانية ستركز على تطوير أماكن إيواء الحيوانات وأقفاص العرض واستيراد حيوانات جديدة، معلناً أن وفداً من الشركة الجنوب أفريقية سيزور مصر خلال يناير المقبل لمعاينة الأعمال ميدانياً.
كما كشف الوزير عن قرار قاسٍ أُنفذ مؤخراً بإعدام 13 أسداً إثر تفشّي مرض معدٍ، ورفض في الوقت نفسه أي حديث رسمي عن رفع سعر تذكرة الدخول إلى 400 جنيهاً.
هذه التفاصيل الأساسية وردت في عدة منصّات إخبارية مصرية طوال 3–4 أكتوبر 2025.
هل افتقرت مصر لشركات متخصّصة؟ قراءة واقعية ومقارنة
الجملة الوزارية "نتعاون مع شركة عالمية متخصصة" تحمل ضمنها اعترافاً ضمنياً بنقص القدرات المحلية أو بعدم ثقة صريحة في الخبرات المصرية المتاحة لإدارة مشروع يُفترض أنه وطنِي البُعد.
التاريخ الاقتصادي والسياسي في مصر يبيّن أن الدولة العسكرية والهيئات المرتبطة بها تحوّل كثيراً من العقود والمشروعات إلى شركاء أجانب أو شركات "مسيّرة"، حتى عندما تتوافر شركات محلية.
تحججات الحكومة بوجود خبرة عالمية؛ غالباً ما تُستخدم لتبرير عقود مخصصة وغير شفافة، ما يطرح السؤال: هل العجز حقيقي أم أنه نتيجة سياسات استبعاد واحتكار أجبر الشركات المتخصصة على التقهقر؟ تقارير اقتصادية وتحليلية سابقة ربطت تردّي الخدمات العامة في مصر بسياسات مركزية واقتصادٍ تهيمن عليه مؤسسات واسعة النفوذ تُبعد القطاع الخاص الكفء عن المنافسة.
لماذا هذا التوقيت مُحبط؟
في حين تتباهى حكومة الانقلاب بأرقام نمو متذبذبة، فإن مؤشرات مثل التضخم، والديون، واعتماد الدولة على قروض وصكوك دولية تُبيّن هشاشة مالية حقيقية: خفض سعر الفائدة مؤخراً وبيانات تضخم متقلبة كانت من أبرز الأخبار الاقتصادية في بداية أكتوبر 2025، بينما اضطرّت الحكومة لتسعير صكوك دولية بمليارات الدولارات لسد احتياجات التمويل.
تخصيص موارد لإنجاز مشروعات رفيعة المستوى مثل إعادة تصميم حدائق حيوان تاريخية في ظل ضغطٍ على الميزانية يُعدّ أمراً يستدعي مساءلة حول الأولويات والشفافية.
لماذا ينحدر السيسي وحكومته ويزداد فشلاً؟
الانحدار ليس حادثة مفردة بل تراكم لعدة عوامل؛ سياسات اقتصادية قصيرة الأفق تعتمد على قروض خارجية ومشروعات رأسمالية ضخمة تفيد شبكات الرفاق بدلاً من رفع مستوى الخدمات العامة؛ تقييد الفضاء المدني والسياسي الذي يثني عن مساءلة حقيقية؛ ومؤسسات تخضع لسيطرة عسكرية-حكومية تحدّ من المنافسة والابتكار.
تحليلات دولية أكدت أن هذه التركيبة تحافظ على استقرار ظاهر لكنها تسرّع من تآكل القدرة المؤسسية على إدارة أزمات متلاحقة، من التضخم إلى تردّي الخدمات مثل الرعاية البيطرية في حدائق الحيوان، زالنتيجة: مشاريع مبهرة إعلامياً على حساب سلامة ورفاهية المواطنين.
توصيات سريعة
يجب أن تُصاحب أي شراكة أجنبية ضمانات شفافية منشورة؛ عقد مفتوح للمراجعة، قوائم بأسماء الشركات المتقدمة ومبررات اختيارها، تقييم بيطري مستقل وأجندة زمنية مفصلة مع تقديرات التكاليف، ومسار لإشراك شركات ومختصين مصريين مؤهلين.
إذا كانت حكومة الانقلاب تريد فعلاً "حديقة تفخر بها الأمة"، فالشرط الأول هو إدارة قادرة، شفافة، ومسؤولة، وهو ما يفتقده النظام الراهن.
كما يستلزم الأمر فتح باب المساءلة السياسية بدل التعمية الإعلامية والاقتصادية، لأن تغطية الانهيار الإداري بصور جميلة لا تُنقذ لا الأسود ولا المواطنين.