لم تكن قرية بهبشين التابعة لمركز ناصر شمال محافظة بني سويف على موعد مع صباحٍ عادي، بل مع يومٍ سيبقى محفورًا في ذاكرة أهلها لسنوات طويلة. ففي لحظة خاطفة، فقدت القرية أربعة من خيرة شبابها الذين خرجوا مع بزوغ الفجر، كعادتهم اليومية، بحثًا عن رزق شريف يسد احتياجات أسرهم، قبل أن يعودوا محمولين على الأكتاف في مشهد مأساوي هزّ القلوب.
 

بداية اليوم.. أحلام بسيطة لم تُكتب لها الحياة
مع أول خيوط الفجر، غادر إسلام محمود، وأحمد حسين، ومحمود سامي، وكُردي ريان منازلهم المتواضعة، يحمل كل واحد منهم حلماً صغيراً: توفير لقمة عيش كريمة لأسرته، وتخفيف أعباء الحياة التي تثقل كاهلهم. استقلوا السيارة في طريقهم إلى مدينة السادس من أكتوبر، حيث يعملون في مهن شاقة تتطلب السفر يومياً لمسافات طويلة.

كانت ضحكاتهم تملأ السيارة، أحاديث عن العمل، عن ضغوط المعيشة، وعن الأمل في غدٍ أفضل. لم يكن أحدهم يعلم أن تلك اللحظات ستكون الأخيرة، وأن أحلامهم ستُدفن معهم على الطريق الأوسطي.
 

لحظة الانقلاب.. الضحكات تتحول إلى صمت
على الطريق الأوسطي، اختلت عجلة القيادة فجأة، واصطدمت السيارة التي تقلهم بشاحنة نقل ثقيل. لم تترك الصدمة فرصة للنجاة. توقفت الحياة عند تلك اللحظة، وغابت أصوات الضحك، وعمّ الصمت الأبدي، ليرحل الشباب الأربعة تاركين وراءهم أسرًا مفجوعة وقرية كاملة تغرق في الحزن.
 

صدمة القرية.. بهبشين تتحول إلى سرادق عزاء
وصل الخبر إلى القرية كالصاعقة. في دقائق، تحولت شوارع بهبشين إلى مأتم كبير، ارتفعت أصوات البكاء والنحيب، وتوافد الرجال والنساء والأطفال لتشييع الجنازات الأربع التي خرجت متجاورة. بدا المشهد أشبه بجرح جماعي، حيث لم يفقد بيت واحد فقط ابنه، بل اجتمع أربعة بيوت على نفس الألم.

يقول أحد الأهالي: "ما فيش بيت في بهبشين إلا ودمع النهارده.. الأربعة كانوا زينة شباب البلد، سابوا وجع كبير مش هيتنسي".
 


بين الإهمال الحكومي وضحايا الطريق
ورغم ما تعلنه الحكومة من مشروعات قومية ضخمة في مجال تطوير الطرق والكباري، والتي تكلّفت مليارات الجنيهات، إلا أن الواقع يكشف عن مأساة موازية. فالأرقام الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تؤكد أن ضحايا حوادث الطرق في مصر ما زالوا في تزايد، وسط اتهامات بعدم تطبيق معايير السلامة المرورية وضعف الصيانة والرقابة، خاصة على سيارات النقل والمركبات العامة التي تشكل الخطر الأكبر على الطرق السريعة.

ويرى خبراء أن استمرار نزيف الدماء على الطرق يعكس أزمة أعمق من مجرد "حادث عابر"، بل هو نتاج منظومة مرورية تفتقر للرقابة الجادة والتخطيط المستدام، في ظل معاناة المواطن البسيط الذي يضطر إلى المخاطرة يوميًا بحثًا عن لقمة العيش.
 


مأساة تتكرر.. وأسئلة بلا إجابة
حادث بني سويف لم يكن الأول، ولن يكون الأخير في ظل تكرار مثل هذه المآسي على طرق مصر المختلفة. لكن رحيل أربعة شباب في مقتبل العمر دفعة واحدة، حوّل القصة من مجرد "خبر حادث" إلى رمز لمعاناة آلاف الأسر التي تدفع ثمن الفقر والإهمال معًا.