شهدت مصر خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الجرائم المروعة ضد النساء، كشفت عن تصاعد خطير في العنف الأسري، وسط غياب تشريعات فعالة تحمي النساء والفتيات من الانتهاكات داخل الأسرة أو خارجها.
ورغم تكرار الدعوات لإقرار قانون شامل لمناهضة العنف الأسري، لا تزال الجهود التشريعية متعثرة، بينما تتزايد أعداد الضحايا بشكل لافت.
 

جرائم تهز الرأي العام
في أغسطس الماضي، تصدّرت حادثة مقتل لاعبة الجودو دينا علاء المشهد، بعد العثور على جثتها مصابة بثلاث طلقات نارية داخل شقتها بالإسكندرية، حيث أكدت التحقيقات أن زوجها أطلق النار عليها خلال مشادة، ثم حاول الانتحار. وفي اليوم نفسه، لقيت ربة منزل مصرعها في حادث مماثل بعد مشادة مع زوجها، ما أدى إلى وفاتها نتيجة الضرب المبرح.

كما شهدت محافظة الجيزة جريمة بشعة راح ضحيتها فتاة قاصر أُجبرت على تناول أقراص سامة على يد أسرتها بدافع "الشرف"، فيما قُتلت فتاة أخرى في الشرقية على يد والدها بسبب رغبتها في مواصلة التعليم وفسخ خطبتها. أما في منطقة أبو النمرس، فقد قُتلت فتاة على يد أقاربها عقاباً لها على الزواج دون علم الأسرة.

جرائم مختلفة في التفاصيل، لكنها تتقاطع في الأسباب: نزاعات أسرية، سيطرة ذكورية، وغياب الردع القانوني.
 

تصاعد الأرقام واتساع الظاهرة
بحسب التقرير السنوي لـ"مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات في مصر" الصادر عن مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، تم تسجيل 1195 جريمة عنف ضد النساء والفتيات خلال عام 2024، منها 540 جريمة داخل الأسرة، و363 جريمة قتل، بينها 261 ارتكبها الزوج أو أحد أفراد الأسرة.

أما أساليب القتل فتنوعت بين الطعن (23%) والخنق (19%) والضرب المبرح (15.4%). كما شملت الجرائم 153 حالة اغتصاب، و182 تحرشاً جنسياً، و60 ابتزازاً إلكترونياً. وتصدرت القاهرة قائمة المحافظات الأكثر تسجيلاً للجرائم بنسبة 32.7%، تلتها الجيزة (23.3%)، بينما جاءت الإسماعيلية في ذيل القائمة بنسبة 0.7%.

ويشير التقرير إلى منحى تصاعدي واضح، إذ ارتفع عدد جرائم العنف ضد النساء من 815 في 2021 إلى 1195 في 2024، ما يعكس تزايد الخطر رغم الخطاب الرسمي عن تمكين المرأة. ووفقاً للمسح الصحي للأسرة (2021)، فإن 31% من النساء المصريات تعرضن لعنف أسري من الزوج.
 

غياب القانون وتجاهل الأزمة
في تقريرها الصادر في يوليو 2024، أكدت منظمة العفو الدولية أن مصر لا تزال تفتقر إلى قانون شامل لمناهضة العنف الأسري، وأن الناجيات يواجهن عراقيل قانونية واجتماعية تجعل اللجوء إلى العدالة أمراً محفوفاً بالمخاطر.
وفي يونيو الماضي، قدّم مركز قضايا المرأة المصرية مذكرة إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، حذر فيها من استمرار الزواج المبكر الذي يشمل نحو 14% من الفتيات دون 18 عاماً، مشيراً إلى أن غياب قانون واضح يترك آلاف الفتيات عرضة للاستغلال والعنف.
 

محاولات متعثرة لإصدار قانون الحماية
رغم الجهود الممتدة منذ عام 2018 لإقرار قانون لمكافحة العنف الأسري، لا تزال المسودات المقدمة للبرلمان حبيسة الأدراج. آخر هذه المسودات قدّمته مؤسسات نسوية في مايو/أيار الماضي، متضمناً تعريفاً شاملاً للعنف المادي والمعنوي والجنسي والرقمي، وآليات لحماية الضحايا وإنشاء وحدات دعم متخصصة داخل أقسام الشرطة.
لكن المراقبين يرون أن الرفض المجتمعي والتلكؤ السياسي من أبرز العقبات، فضلاً عن تشتت الجهود بين الجهات الحكومية والحقوقية.
 

أصوات نسوية تطالب بالإرادة السياسية
تقول الناشطة أسماء دعبيس إن “إصدار قانون موحد خطوة ضرورية لكنها غير كافية”، مؤكدة أن فعالية القانون تعتمد على الإرادة السياسية والموارد اللازمة لتطبيقه، من تدريب الكوادر الأمنية إلى إنشاء دور آمنة للنساء المعنفات.
أما الناشطة ميار مكي فتؤكد أن أهمية القانون تكمن في كونه “يعيد تعريف العلاقة بين الزوجين ويجرّم الاغتصاب الزوجي والعنف الأسري باعتباره جريمة عامة لا شأن خاصاً”.
 

أزمة مجتمعية لا قضية فردية
تتفق التقارير الحقوقية على أن العنف ضد النساء في مصر لم يعد ظاهرة معزولة، بل أزمة مجتمعية تتشابك فيها العوامل الاقتصادية والثقافية والتشريعية. ورغم الحملات الحكومية وبرامج التوعية، تبقى الفجوة القانونية أكبر عائق أمام حماية النساء.
وبينما تتزايد أعداد الضحايا يوماً بعد آخر، يبقى غياب قانون رادع بمثابة رسالة صمت رسمية أمام جريمة تتغذى على التواطؤ المجتمعي والإفلات من العقاب.