في أواخر سبتمبر 2025، رحل اللاعب البارالمبي سمير السيد الطنطاوي بشكل مفاجئ خلال مشاركته في بطولة الجمهورية لتنس الطاولة بالإعاقات الحركية في محافظة بورسعيد، وفاته صدمت الوسط الرياضي وأسرتَه وأطلقت نقاشًا عن مدى استعداد المؤسسات الرياضية والصحية لحماية حياة الرياضيين من ذوي الهمم، الحادثة ليست حالة فردية معزولة بقدر ما هي مرآة لضعف البنية المؤسسية والدعم العمومي لهذه الفئة.
عدة شهود ومن بينهم لاعبة منتخب مصر فايزة محمود، أكدت أن الصالة كانت تفتقر إلى شروط السلامة، حيث انقطع التكييف عدة مرات مما أثر سلبًا على صحة اللاعبين وتسبب في حالات إغماء متعددة.
تم استدعاء سيارة الإسعاف التي لم تفلح في إنقاذه، ويظل تساؤل كبير حول مدى جاهزية البنى التحتية الرياضية لخدمة ذوي الهمم.
الإهمال المؤسسي وغياب الدعم الكافي
رغم أن دولة قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، تدعي اهتماما غير مسبوق بذوي الهمم، إلا أن الواقع المعاش يعكس صوراً أخرى.
ففي مؤتمر "قادرون باختلاف" 2019 ادعي السيسي ضرورة تلبية احتياجات ذوي الهمم ودمجهم في المجتمع، مشيرا إلى تبني مصر رؤية 2030 لبناء مجتمع عادل ومساواة في الحقوق.
ومع ذلك، كثيرون من الرياضيين من هذه الفئة يعانون من نقص الدعم المادي، ضعف التسهيلات، وقلة البرامج التدريبية.
اللاعبون غالبا ما يتحملون نفقات المكملات الغذائية والمعسكرات بأنفسهم، بسبب العقبات التي تواجه اللجنة البارالمبية في توفير هذه المتطلبات.
أرقام ومؤشرات تكشف حجم المشكلة
تشير تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023 إلى وجود 3585 فريقا رياضيا لذوي الصعوبات على مستوى الأندية ومراكز الشباب، مع عدد لاعبين يبلغ 24097 لاعبا فقط.
هذا الرقم يعكس محدودية الفرص مقارنة بعدد ذوي الهمم في مصر الذي يصل إلى نحو 10 ملايين شخص، منهم فقط 1.2 مليون من يملكون بطاقة الخدمات المتكاملة التي تؤهلهم للحصول على دعم حكومي، وهو ما يعتبر نسبة ضئيلة للغاية.
كما أن دعم التمكين والتوظيف لذوي الهمم من خلال برامج مثل "كرامة" رغم وجوده، لم يشمل سوى أقل من 60 ألف موظف منهم في القطاع الخاص منذ 2014.
الواقع الميداني.. بنى تحتية غير كافية وخدمات طبية هزيلة
التحقيقات الميدانية وشهادات ناشطين محليين تشير إلى أن العديد من الصالات والمسابقات الخاصة بذوي الهمم تفتقر لتجهيزات الإسعاف الفوري، ولا تتوفر فيها فرق طبية متخصصة للتعامل مع حالات الطوارئ، كما أن إجراءات نقل المصاب للمستشفيات أحيانًا تتأخر أو تفتقر للتنسيق.
وفاة سمير أثناء البطولة تضع هذا القصور في قلب التساؤلات؛ هل يكفي وجود بطولة رسمية إذا كانت سلامة المشاركين معرضة للخطر؟
الدعم المالي الرسمي.. تصريحات وأرقام متباينة
تتباهى الجهات الرسمية من حين لآخر بمبادرات ودعم محدود لذوي الهمم؛ على سبيل المثال، صدرت موافقات بصرف دعم مالي قدره 7 ملايين جنيه للاتحادات واللجنة البارالمبية استعدادًا لدورات دولية (يونيو 2024)، وتصريحات لمسؤولين يؤكدون "الحرص على تيسير سبل المشاركة".
لكن هذا الدعم موسمي ومحدود، لا يعالج عيوب التمويل التشغيلي المستمر، ولا يترجم إلى برامج تأهيل طبية مستديمة أو بنية تحتية متكاملة تغطي كل المحافظات، الفجوة بين البيانات الإعلامية والواقع الميداني تبقى كبيرة.
مسؤولية الدولة..
يمكن قراءة الحادثة على أنها نتيجة سياسة عامة لحكم قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي تركز على مشروعات مظهرية واستعراض خارجي أكثر من اهتمام حقيقي باستقلالية المؤسسات الاجتماعية والصحية.
الموارد تتحكم بها شبكات مصالح مرتبطة بالدولة، وتخصصات مثل الرعاية المطابقة لذوي الهمم تتلقى حصصًا ضئيلة، فيما تُعطى الأولوية لمشروعات كبيرة لا ترتبط بحياة الناس اليومية.
لماذا الدعم الموسمي غير كافٍ؟!
بخلاف بيان 7 ملايين جنيه كدعم استثنائي للأحداث الدولية، يحتاج النظام إلى ميزانية تشغيلية سنوية واضحة ومستقرة للجان البارالمبية، دعم للأندية المحلية، وتأمين صحي وفرق طبية متنقلة مجهزة إلكترونيًا لكل بطولة.
دون أرقام وموازنات منتظمة يبقى الدعم رمزيًا.
مطالبة المجتمع المدني والحركات الحقوقية هي تحويل الدعم من دفعات مساعدة مؤقتة إلى برامج مؤسسية مدفوعة بميزانية سنوية شفافة وتقارير أداء علنية.
توصيات فورية وخطوات عملية
- فتح تحقيق مستقل في ملابسات وفاة سمير الطنطاوي ونشر نتائجه علنًا مع تدابير تصحيحية ملزمة.
- فرض متطلبات طبية وإسعافية لكل بطولة (فريق إسعاف مؤهل، سيارة إسعاف ثابتة، بروتوكول نقل سريع للمستشفيات).
- تخصيص ميزانية تشغيلية سنوية للاتحادات البارالمبية تُنشر في تقارير مدققة.
- تدريب حكام ومنظمين على بروتوكولات الطوارئ والتعامل مع ذوي الإعاقات بطريقة إنسانية ومهنية.
- دعم إعلامي وقانوني لأسر الضحايا وضمان تعويضات محترمة إذا ثبت الإهمال.
رحيل سمير السيد الطنطاوي يجب أن يكون نقطة تحوّل لا مأساة تُنسى، إن استمرار نموذج الدعم الشكلي والقرارات العرضية تحت طبقات الدعاية يخاطر بحياة رياضيين آخرين من ذوي الهمم.
الحادثة تكشف فشلاً مؤسسيًا متجذرًا يحتاج إلى مساءلة فعلية وسياسات تحويلية، لا بيانات ووعود موسمية تعجز عن حماية الأرواح والمواهب.