منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن مبادرته لإنهاء الحرب في غزة، بدت الساحة السياسية والإعلامية منقسمة بين رفض شعبي واسع ومواقف حقوقية متحفظة من جهة، وترحيب رسمي عربي ودولي من جهة أخرى. لكن اللافت أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو استغل هذا الزخم الدولي ليعلن بوضوح أن الخطة تمثل في جوهرها ترجمة لشروط إسرائيل، وأنه لم ولن يوافق على قيام دولة فلسطينية.
نتنياهو بعد إعلان خطة ترامب يعلن بوضوح:
— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) September 30, 2025
"من كان يتخيل ان العالم العربي والإسلامي يضغط على حماس للقبول بشروطنا التي وضعناها مع الرئيس ترامب وإخراج الرهائن الأحياء والأموت ويظل الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة؟"
ويؤكد: "لم ولن أوافق على قيام دولة فلسطينية"..
فلماذا تضغط الدول العربية… pic.twitter.com/eUfbGFgqd9
في خطاباته العلنية وتصريحاته التي تلت لقائه بترامب، كشف نتنياهو أن "إسرائيل لن تنسحب من قطاع غزة" وأن وجودها العسكري سيبقى جزءاً من أي تسوية. وأضاف متحدياً: "من كان يتخيل أن العالم العربي والإسلامي يضغط على حماس للقبول بشروطنا التي وضعناها مع الرئيس ترامب، وإخراج الرهائن الأحياء والأموات، بينما يظل الجيش الإسرائيلي في غزة؟". بل ذهب أبعد من ذلك حين قال بلهجة تباهٍ: "كل العالم العربي والإسلامي قبلوا بالخطة التي بلورناها مع ترامب".
هذه التصريحات، التي تُظهر بوضوح طبيعة الرؤية الإسرائيلية القائمة على تكريس الاحتلال لا إنهائه، جاءت في الوقت الذي سارعت فيه عدة عواصم عربية وإسلامية إلى الترحيب العلني بالمبادرة الأميركية. فقد أصدرت وزارات خارجية السعودية والأردن والإمارات وقطر ومصر وتركيا وباكستان وإندونيسيا بياناً مشتركاً أبدت فيه دعمها لجهود ترامب، وأكدت استعدادها للتعاون مع واشنطن "من أجل إنهاء الحرب وضمان الاستقرار الإقليمي".
ويطرح هذا التباين إشكالية حقيقية: فبينما يتحدث نتنياهو بصراحة عن رفضه أي دولة فلسطينية ويؤكد أن الاتفاق لا يتضمن ذلك أصلاً، تُصوِّر بعض الحكومات العربية الخطة وكأنها خطوة نحو "حل الدولتين". الأمر الذي يعزز القناعة الشعبية بأن هذه المواقف الرسمية ليست سوى محاولة لتسويق "صفقة القرن" في ثوب جديد، حتى وإن كان أكثر قسوة وابتعاداً عن الحقوق الفلسطينية.
الدعم لم يتوقف عند العواصم العربية والإسلامية، بل امتد إلى أطراف دولية عدة. الأمم المتحدة رحبت عبر متحدثها الرسمي بأي جهود للوساطة، فيما وصفت إيطاليا الخطة بأنها "نقطة تحول محتملة". الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتبرها "أساساً لنقاش معمق نحو سلام دائم"، داعياً حماس لإطلاق سراح الرهائن. أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فأعلن دعمه الكامل للمبادرة، بينما وصف توني بلير، الذي يستعد للمشاركة في "مجلس إدارة السلام" للإشراف على المرحلة الانتقالية في غزة، الخطة بأنها "شجاعة وذكية" وتمنح الفلسطينيين "فرصة لمستقبل أفضل".
هكذا يجد الفلسطينيون أنفسهم بين فكي كماشة: من جهة، حكومة احتلال تتباهى برفضها القاطع للدولة الفلسطينية وتعمل على تكريس وجودها العسكري في القطاع؛ ومن جهة أخرى، ضغوط عربية ودولية لفرض خطة أُعدّت بتنسيق مباشر مع إسرائيل، دون اعتبار لحقوقهم الوطنية المشروعة.
في المقابل، تعالت أصوات حقوقية وشعبية تحذر من خطورة هذه المسارات. منظمات فلسطينية ودولية اعتبرت الخطة التفافاً على القانون الدولي الذي ينص على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. ووصفتها بأنها "تثبيت للاحتلال تحت غطاء دولي وعربي"، فيما حذر ناشطون من أن القبول بها يعني عملياً تسليم غزة لإدارة دولية – أميركية وبريطانية – تحت ذريعة الإعمار والأمن.
إن المفارقة الصارخة تكمن في أن نتنياهو نفسه لا يخفي احتقاره لهذه الوعود، بل يكرر علناً: "لم ولن أوافق على قيام دولة فلسطينية". ومع ذلك، تستمر حكومات عربية في الضغط على الفلسطينيين للقبول بخطة وُضعت بشروط إسرائيلية بحتة.
هذا التناقض يضع العالم العربي أمام اختبار تاريخي: هل يسير خلف رؤية إسرائيلية يتفاخر بها نتنياهو جهاراً، أم يقف إلى جانب إرادة الشعوب الرافضة لأي تصفية للقضية الفلسطينية تحت مسميات "السلام" و"الاستقرار"؟