في خضم الجدل الذي أثارته خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدت حركة حماس الأكثر حذرًا في التعامل مع ما تسرّب من بنودها.
فالحركة أعلنت رفضها القاطع لأي صيغة لا تضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ولا تحميه من المجازر، لكنها في الوقت نفسه تركت الباب مفتوحًا أمام دراسة أي مقترحات تُطرح بشكل رسمي.
هذا الموقف المتوازن يعكس رغبة حماس في تثبيت ثوابتها التاريخية المرتبطة بالمقاومة والحرية، دون أن تبدو وكأنها ترفض الحلول قبل الاطلاع عليها.
في المقابل، برز موقف حركة الجهاد الإسلامي الذي جاء أكثر حدة وصراحة في رفض الخطة واعتبارها تصفية كاملة للقضية الفلسطينية.
وبين الموقفين، تتوالى أصوات محللين وحقوقيين وصحفيين لتؤكد أن ما يجري ليس سوى محاولة لشرعنة الاحتلال تحت عناوين مضللة، الأمر الذي يضع القيادة الفلسطينية أمام اختبار صعب في ظل تصاعد الغضب الشعبي والدولي.
حماس: رفض أولي ودراسة للمقترحات
أكد القيادي في حركة حماس محمود مرداوي أن الحركة لم تتسلم نسخة رسمية من الخطة، وأن ما ظهر من تفاصيل يوحي بأنها أقرب للرؤية الإسرائيلية.
وأوضح أن سلاح المقاومة لم يُستخدم إلا للدفاع عن الشعب الفلسطيني، معتبراً أن الإعلان الأميركي جاء لإضعاف الزخم الدولي المتصاعد نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه شدد مرداوي على أن حماس لن تقبل أي مقترح لا يتضمن حق تقرير المصير، لكنها ستنظر في أي مقترحات تطرح بشكل رسمي.
الجهاد الإسلامي: صفقة تصفية القضية
أما حركة الجهاد الإسلامي فكان موقفها أكثر صلابة، إذ أعلنت رفضها الكامل لما اعتبرته خطة لتصفية القضية الفلسطينية.
الحركة شددت على أن أي قبول بالخطة هو بمثابة خيانة عظمى، داعية الشعوب العربية والإسلامية إلى رفع صوتها بالرفض لمساندة المقاومة وتعزيز صمودها في مواجهة الضغوط.
واعتبر الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين"، زياد النخالة، أن الإعلان المشترك الذي صدر في المؤتمر الصحفي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا يعدو كونه "اتفاقاً أميركياً إسرائيلياً بحتاً"، مؤكداً أنه يمثل وصفة لمزيد من التوتر في المنطقة.
وقال النخالة في بيان: "ما جرى الإعلان عنه يعبر بالكامل عن موقف إسرائيل، ويعكس محاولتها فرض ما عجزت عن تحقيقه بالحرب، عبر الغطاء الأميركي".
وأضاف: "نحن نرى في هذا الإعلان وصفة لتفجير المنطقة واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني".
خطة شيطانية لإنقاذ إسرائيل
الكاتب ياسر الذعاترة وصف الخطة بأنها من إنتاج مقربين من نتنياهو بمشاركة دوائر أميركية نافذة، تهدف إلى انتزاع ما عجز الاحتلال عن تحقيقه بالقوة العسكرية خلال عامين من الحرب.
ورأى أن البنود المطروحة لا تحمل أي التزامات حقيقية للفلسطينيين، بل تستخدم لغة فضفاضة لتسويق الوهم، في الوقت الذي يتواصل فيه الاستيطان والتهويد.
اتهامات بالخيانة وعودة للانتداب
الخبير السياسي حمزة النوفلي اعتبر أن الخطة تمثل خيانة عظمى وعودة لشكل جديد من الانتداب، محملاً المسؤولية لمن يسوّقون لها في المنطقة.
في حين رأى المحامي الكويتي ناصر الدويلة أن الخطة تنهي مشروع المقاومة وتجهز على القضية الفلسطينية، لكنه أكد في الوقت نفسه أن القرار النهائي يجب أن يكون للمقاومة نفسها وفق ما تراه مناسباً، معربًا عن ثقته في صواب تقديرها.
تحذيرات من مؤامرة إعلامية وسياسية
أصوات أخرى، بينها الدكتور مراد علي والكاتب مؤمن أفندي، انتقدت ما وصفته بالتسويق الإعلامي الأميركي الذي يصور الخطة كضغط على نتنياهو، بينما هي تحقق لإسرائيل ما يفوق أحلامها.
ورأوا أن القرار المصيري لا يمكن أن يُتخذ بمعزل عن الشعب الفلسطيني، وأن المقاومة ليست حماس فقط، بل كل أبناء غزة الذين دفعوا ثمن العدوان من دمائهم.
المقاومة رمز الصمود في مواجهة الضغوط
الكاتب نظام المهداوي شدد على أن جوهر المعركة هو بقاء المقاومة وعدم إلقاء السلاح، مؤكداً أن الاحتلال إلى زوال مهما تعددت المؤامرات.
فيما وصف الكاتب صلاح بديوي الخطة بأنها خيانة كبرى لفلسطين والقدس، معتبراً أن الشعوب المتمسكة بدينها وقضيتها لن تُهزم.
مواقف حقوقية تدعو للثبات
الحقوقي أسامة رشدي أشار إلى أن الخطة منحت الاحتلال مكاسب إضافية رغم جرائمه، ما يضع قادة غزة أمام تحديات غير مسبوقة تتطلب قرارات تحفظ كرامة الشعب وتصون حقوقه.
بينما رأى الكاتب أحمد عبدالعزيز أن الخطة تمثل الامتحان الأصعب للمقاومة منذ تأسيسها، داعياً إلى التوفيق لقادتها في اتخاذ القرار الذي يحقق مصلحة الفلسطينيين ويحفظ دماءهم.
اختبار حاسم للمقاومة
تتلاقى هذه المواقف على رفض الخطة أو التحفظ عليها، مع إجماع على أنها لا تقدم حلًا عادلًا بقدر ما تكرس الاحتلال وتعيد إنتاجه بغطاء أميركي.
وبين موقف حماس الذي يترك باب الدراسة مفتوحًا، وموقف الجهاد الإسلامي الرافض كليًا، تجد المقاومة نفسها أمام لحظة حاسمة تتطلب تثبيت الحقوق الوطنية ومواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.