شهدت القاهرة مساء أمس تطورًا لافتًا في مسيرة أسطول الصمود المصري، الذي أعلن عن إطلاق مبادرته الشعبية لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة. إذ أكد المتحدث الإعلامي باسم الأسطول، حسام محمود، أن قوات الأمن ألقت القبض على ثلاثة أشخاص، بينهم اثنان من أعضاء اللجنة التحضيرية للأسطول، وذلك بعد ساعات من انتهاء فعاليات تسلّم المساعدات القادمة من المحافظات إلى المقر الرئيسي بالدقي.
 

تفاصيل الاعتقال
بحسب محمود، وقعت عملية التوقيف في حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، حيث جرى اقتياد العضوين دون توجيه أسئلة أو إبراز أسباب واضحة، في ظل تواجد أمني كثيف حول المقر الرئيسي. كما أشار إلى أن شخصًا ثالثًا من المتطوعين اعتُقل في محافظة أسيوط خلال حملة أمنية منفصلة، وفق ما أبلغهم أحد أقاربه.

وأوضح المتحدث أن الأسطول ما زال يجري عملية حصر دقيقة لتحديد العدد النهائي للمقبوض عليهم، فيما لم تُعلن السلطات المصرية بعد عن مكان احتجازهم. وأضاف أن اللجنة القانونية للأسطول بدأت بالفعل اتصالاتها لمحاولة معرفة أماكن الاحتجاز وحضور التحقيقات أمام النيابة.

 

صدمة داخل صفوف المنظمين
أكد محمود أن الاعتقالات جاءت مفاجئة، حيث لم يتلق المنظمون أي تحذيرات أو إشارات سابقة من الأجهزة الأمنية بشأن فعاليات الأسطول منذ الإعلان عنه وحتى يوم أمس. وقال: "اتفاجئنا بالقبض على الشباب، مكنش فيه أي بوادر ولا مؤشرات لده"، مشددًا على أن اللجنة دخلت في حالة انعقاد دائم داخل المقر الرئيسي للتشاور مع قوى سياسية وحقوقية وشعبية حول الخطوات القادمة إلى حين الإفراج عن المقبوض عليهم.

وفي رد فعل سريع، نشرت الصفحة الرسمية للأسطول على فيسبوك مقطع فيديو يظهر فيه عدد من النشطاء وهم يرددون هتافات مثل: "إحنا هنا رافعين الراية" و"إحنا كرهنا الصوت الواطي"، في إشارة إلى تصميمهم على الاستمرار في المبادرة رغم الضغوط.

كما أعلنت لجنة أسطول الصمود المصري دخولها في حالة انعقاد دائم داخل المقر الرئيسي في القاهرة، وتشاور مع القوى السياسية والحقوقية والشعبية، وذلك إلى حين الإفراج عن الزملاء، وبهدف بحث التحركات والخطوات القادمة.

 

خلفية عن أسطول الصمود المصري
كانت اللجنة التيسيرية لأسطول الصمود المصري قد أعلنت في 6 سبتمبر/أيلول الجاري عن بدء التجهيز لسفن مصرية تشارك في الجهد العالمي لكسر الحصار البحري المفروض على غزة منذ سنوات. ودعت اللجنة القباطنة والطواقم البحرية والمتطوعين للانضمام، معتمدة على تبرعات عينية ولوجستية لتأمين المستلزمات.

كما وقّع 55 ناشطًا مصريًا بيانًا أكدوا فيه أن المشاركة المصرية في الأسطول تعد "واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا" لدعم الشعب الفلسطيني، في ظل تصاعد الهجمات الإسرائيلية على القطاع وازدياد المعاناة الإنسانية.
 

السياق الدولي: أسطول الصمود العالمي
يأتي هذا الحراك المصري متوازيًا مع انطلاق أسطول الصمود العالمي مطلع الشهر الجاري من ميناء برشلونة، بمشاركة أكثر من 300 ناشط من جنسيات مختلفة. الأسطول توقّف في ميناء سيدي بوسعيد التونسي حيث انضمت إليه سفن إضافية، قبل أن يواصل رحلته نحو غزة.

ووفقًا للجنة الدولية لكسر الحصار، يهدف الأسطول إلى إيصال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع، وتسليط الضوء على الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحصار الإسرائيلي. لكن الرحلة لم تخلُ من المخاطر، إذ تعرضت ست سفن الأسبوع الماضي لهجوم بطائرات مسيّرة أطلقت قنابل صوتية ومقذوفات، ما أدى إلى أضرار مادية طفيفة دون إصابات بشرية. وقد دفع ذلك إيطاليا وإسبانيا إلى إرسال سفن حربية لتأمين الأسطول ومرافقته.
 

دلالات سياسية وأمنية
الاعتقالات في صفوف الأسطول المصري تحمل أكثر من معنى. فمن جهة، تعكس حساسية الدولة المصرية تجاه أي نشاط شعبي مستقل يتجاوز الأطر الرسمية في ما يخص القضية الفلسطينية، خصوصًا مع تعقيدات المشهد الإقليمي والضغط الدولي. ومن جهة أخرى، تشير إلى وجود تخوّف من تحوّل الأسطول إلى منصة تعبئة جماهيرية قد تتسع خارج نطاق السيطرة.

مع ذلك، فإن حجم التضامن الشعبي المصري، والذي ظهر في شكل تبرعات ومشاركة مئات المتطوعين، يؤكد أن القضية الفلسطينية ما تزال جزءًا حيًا من الوعي الجمعي المصري، رغم محاولات تقييد الحراك المدني.
 

استمرار الزخم رغم العقبات
رغم الاعتقالات والضغوط، أكدت قيادة الأسطول المصري أنها ماضية في خطتها، وأن التنسيق مستمر مع القوى الشعبية والسياسية، بالإضافة إلى التواصل مع اللجنة الدولية لأسطول الصمود لضمان مشاركة مصرية فعالة.
ويبدو أن هذه التطورات لن توقف المبادرة، بل قد تمنحها زخمًا إضافيًا، إذ يرى كثيرون أن التضييق على المتطوعين يعكس أهمية الحراك وفاعليته، ويدفع بمزيد من الأصوات إلى المطالبة بحرية العمل المدني لدعم غزة.

وأخيرا فاعتقال ثلاثة من أعضاء أسطول الصمود المصري يشكل اختبارًا جديدًا للتوازن بين الحسابات الأمنية للدولة، وبين الإرادة الشعبية المتجذرة في نصرة فلسطين. وبينما تواصل السلطات تحركاتها في مسار غامض، يصر النشطاء على المضي قدمًا في مهمتهم، في مشهد يعكس أن الحرب على غزة لا تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضًا عبر مسارات الدعم الشعبي والضغط السياسي والإعلامي.