منذ تولي قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي الحكم في عام 2013، شهدت مصر سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي شملت رفع الدعم عن الوقود والكهرباء، وتحرير سعر صرف الجنيه، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.
هذه السياسات، التي تمت بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، أثارت جدلاً واسعاً بين المواطنين والخبراء الاقتصاديين.
في هذا التقرير، نستعرض كيف فضح صندوق النقد الدولي سياسات الحكومة المصرية بشأن رفع الأسعار، مدعومين بالأرقام والتواريخ وأهم التصريحات.
صندوق النقد الدولي.. لا نوصي برفع الأسعار
في تصريحات حديثة، أكد ممثل صندوق النقد الدولي في مصر، أليكس سيجورا أوبيرجو، أن الصندوق لم يوصِ بزيادة أسعار الوقود، مشيرًا إلى أن القرار جاء بناءً على تقديرات الحكومة المصرية للتكلفة الاقتصادية التي يتحملها الاقتصاد الوطني.
وأضاف أن الصندوق لا يقدم توصيات تتعلق بزيادة الأسعار، بل يركز على ضرورة السيطرة على التضخم.
على الرغم من تصريحات صندوق النقد، قامت حكومة الانقلاب المصرية بزيادة أسعار الوقود في عدة مناسبات.
في أبريل 2025، تم رفع الأسعار بنسبة تصل إلى 15%، وفي يوليو 2024، تراوحت الزيادة بين 10% و15%.
هذه الزيادات أثارت استياءً واسعاً بين المواطنين، الذين اعتبروا أن هذه السياسات تؤثر سلباً على قدرتهم الشرائية وتزيد من معاناتهم اليومية.
خلفية القرض مع صندوق النقد الدولي
وجدت مصر نفسها منذ سنوات في دائرة مفرغة من القروض مع صندوق النقد الدولي، الذي بدأ التفاوض مع حكومة الانقلاب المصرية عقب سقوط نظام مبارك، حيث استهدفت هذه القروض تنفيذ إصلاحات اقتصادية ضمن اتفاقية "شراكة دوفيل" بدول الربيع العربي التي تهدف لدعم الاستقرار الاقتصادي عبر تبني سياسات التقشف وفتح الأسواق.
في نوفمبر 2012، رفض المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية شروط قرض 4.8 مليار دولار من صندوق النقد، نظراً لافتقاره الشفافية وتأثيره السلبي المتوقع على الطبقات الفقيرة، وما قد يسببه من رفع أسعار الوقود والسلع الأساسية مع تقليص الدعم الحكومي.
التضخم.. مؤشر على فشل السياسات
على الرغم من رفع الأسعار، لم تنجح حكومة الانقلاب في السيطرة على معدلات التضخم.
في أغسطس 2025، بلغ معدل التضخم السنوي في المدن 12%، بعد أن كان قد وصل إلى 38% في سبتمبر 2023.
هذا التراجع في التضخم يُعزى إلى عدة عوامل، منها انخفاض أسعار النفط عالمياً، وليس بالضرورة إلى فعالية السياسات الاقتصادية المحلية.
صندوق النقد ينتقد تأخر تنفيذ الإصلاحات
في مارس 2025، استكمل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، مما أتاح للسلطات سحب نحو 1.2 مليار دولار أمريكي.
ومع ذلك، أشار الصندوق إلى أن التقدم في تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي كان متفاوتاً، وأنه يجب إعطاء دفعة للإيرادات المحلية، وتحسين بيئة الأعمال، وتعجيل التخارج من الأصول المملوكة للدولة، وتحقيق تكافؤ الفرص، مع تعزيز الحوكمة والشفافية.
كما أعلن مسؤول في صندوق النقد أن حكومة الانقلاب المصرية تقدمت بخطوة مقلقة لرغم تحذيرات الصندوق، حيث تجاوزت حدود السيطرة على رفع الأسعار دون تنسيق مباشر، ما أثر سلباً على المواطنين وأثار قلق الصندوق. هذا التصريح يُظهر فضح الصندوق لأداء الحكومة وعدم توافقها مع توصيات الصندوق.
تصريحات قائد الانقلاب السيسي بتاريخ أكتوبر 2024 تشير إلى إمكانية مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد إذا ما واجهت ضغوطاً لا يحتملها الرأي العام، وهو اعتراف ضمني بمدى تأثير السياسات التقشفية على المواطنين.
وفي المقابل، حذر اقتصاديون مصريون ودوليون من مخاطر استمرار هذه السياسات على الاستقرار الاجتماعي، محذرين من أن الاعتماد الكبير على القروض الدولية والقيود الاقتصادية المصاحبة لها تُفاقم الأزمة الاجتماعية وتعمق الفقر.
الديون الخارجية.. عبء إضافي على الاقتصاد
وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، يتوقع أن تجذب مصر 26.4 مليار دولار من التمويل الخارجي خلال العام المالي 2025-2026، مقارنة بـ 24.1 مليار دولار متوقعة في مراجعته الثالثة.
هذه الديون تشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد المصري، وتزيد من الضغوط على الميزانية العامة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات صارمة للحد من الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات المحلية.
على الرغم من تأكيد صندوق النقد الدولي على عدم توصيته بزيادة أسعار الوقود، إلا أن حكومة الانقلاب المصرية قامت بتنفيذ هذه الزيادات، مما أثار تساؤلات حول استقلالية القرار الاقتصادي الوطني.
كما أن معدلات التضخم المرتفعة تشير إلى فشل السياسات المتبعة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع الديون الخارجية يشكل تحدياً كبيراً أمام الحكومة في سعيها لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.