في خطوة تكشف كيف باتت الرياضة مرآة للعدالة وفضاءً لتجسيد الرفض الشعبي للظلم، أعلن فريق الدراجات الإسرائيلي "إسرائيل برميير تك" انسحابه من ثلاثة سباقات مقررة في إيطاليا الأسبوع المقبل، بعد أيام قليلة من الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الصمود" المتجه إلى غزة.
القرار، الذي جاء بتوصية من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لم يكن مجرد إجراء فني أو تنظيمي، بل اعتُبر انعكاسًا مباشرًا لهلع تل أبيب من الغضب الشعبي الأوروبي والعالمي، وخشيتها من أن تتحول المنافسات الرياضية إلى منصة فضح جديدة لجرائمها ضد الفلسطينيين.
قرار أمني بواجهة رياضية
صحيفة "هآرتس" العبرية نقلت أن الأجهزة الأمنية حذرت الفريق من المشاركة خوفًا من احتجاجات وتهديدات قد تستهدف الدراجين. وبذلك بدا واضحًا أن القرار سياسي أمني أكثر منه رياضي.
الرياضة التي طالما حاولت إسرائيل أن توظفها لتحسين صورتها الخارجية، ارتدت عليها هذه المرة، بعدما صارت الساحات الرياضية امتدادًا لمعارك العدالة والتضامن مع غزة.
الفريق الإسرائيلي، الذي اعتاد الظهور في كبرى البطولات الأوروبية، اضطر إلى الانسحاب بعدما أيقن أن الرياضيين قد يكونون أهدافًا مباشرة لغضب جماعات التضامن الأوروبية، وهو ما يحول الرياضة من أداة دعائية لإسرائيل إلى ساحة تكشف هشاشتها وتفضح سياساتها.
هلع إسرائيلي بعد "أسطول الصمود"
الهجوم على "أسطول الصمود" لم يكن مجرد واقعة بحرية، بل مثل لحظة كاشفة. العملية خلقت حالة من الهلع داخل المجتمع الإسرائيلي، وصلت إلى حد التأثير على الفرق الرياضية التي لم تعد تشعر بالأمان في أوروبا.
الإعلام العبري تحدث صراحة عن "قلق واسع" أصاب المسؤولين، خشية أن يتحول أي حضور إسرائيلي بالخارج إلى هدف للمقاطعة والاحتجاج.
بعض الدراجين انسحبوا فرديًا قبل القرار الرسمي، وهو ما يعكس عمق الخوف من أن يصبح الرياضيون أنفسهم وجوهًا مكروهة في الساحات الأوروبية.
هذا المناخ يعكس أن المقاومة الفلسطينية لم تعد محصورة في ميادين القتال، بل انتقلت إلى قلب أوروبا، حيث يطارد الغضب الشعبي صورة إسرائيل وسمعتها.
الانسحاب لم يكن قرارًا رياضيًا عاديًا، بل شهادة عملية على نجاح المقاومة في تصدير المعركة إلى خارج حدود غزة.
صورة إسرائيل في الرياضة الدولية
رياضياً، يعد الانسحاب ضربة قاسية لصورة إسرائيل. الرياضة العالمية تقوم على قيم العدالة، المساواة، واللعب النظيف، بينما إسرائيل محاصرة بتهم الإبادة والحصار والاحتلال.
انسحاب فريقها من إيطاليا يكشف أن مشاركاتها الدولية باتت مشروطة بالحماية الأمنية، وأنها تخسر أحد أهم مجالات "القوة الناعمة".
الانسحاب يمنح حركات التضامن مع فلسطين انتصارًا جديدًا، إذ يمكن الترويج له كدليل على أن إسرائيل أصبحت "منبوذة رياضيًا"، شبيهة بتجربة جنوب أفريقيا إبان الأبارتايد.
فالرياضة، التي ظلت إسرائيل تراهن عليها لكسر عزلتها، تحولت اليوم إلى دليل إدانة متجدد.
تفاعل الشارع الأوروبي والمقاطعة
الحركات المناصرة لفلسطين في أوروبا، وخاصة في إيطاليا، كانت قد أعلنت بالفعل نيتها تنظيم احتجاجات في المدن التي ستُقام فيها السباقات.
حركات BDS وغيرها رأت في حضور الفريق الإسرائيلي استفزازًا لمشاعر الشعوب المتضامنة مع غزة.
السلطات الإيطالية رفعت درجة التنسيق الأمني تحسبًا للصدامات، لكن القرار الإسرائيلي بالانسحاب أجهض الموقف قبل أن ينفجر.
بذلك، اختارت إسرائيل الهروب الوقائي، لكنها في نظر الشارع الأوروبي أقرت بعزلتها.
بين السياسة والرياضة: معركة العدالة
المشهد يؤكد أن الخط الفاصل بين السياسة والرياضة بات هشًا للغاية. فبينما يبرر الفريق انسحابه باعتبارات أمنية، يرى خصومه أن القرار استجابة مباشرة للغضب العالمي من جرائم إسرائيل.
الرياضة هنا لم تعد محايدة، بل صارت جبهة من جبهات العدالة، حيث ينتصر المتضامنون مع فلسطين على محاولات الاحتلال تبييض صورته.
إسرائيل، التي استثمرت ملايين الدولارات في تأسيس فرق رياضية أوروبية للترويج لاسمها، تجد نفسها اليوم في موقع منبوذ، عاجزة عن المنافسة بحرية، ومقيدة بالخوف من ردود الفعل الشعبية.
خسائر مادية ومعنوية
من الناحية العملية، الانسحاب يعني خسارة نقاط مهمة في التصنيف العالمي، وفقدان رعاة الفريق جزءًا من استثماراتهم الدعائية.
أما من الناحية الرمزية، فالخسارة أكبر: إسرائيل تقدم للعالم صورة كيان يعيش في عزلة، حتى في ميادين يفترض أن تكون مفتوحة للجميع.
انتصار العدالة عبر الرياضة
انسحاب فريق "إسرائيل برميير تك" من سباقات إيطاليا يمثل أكثر من مجرد حدث رياضي، إنه انتصار للعدالة التي يجسدها التضامن الرياضي مع الشعب الفلسطيني.
كما أنه انعكاس لحالة الهلع التي أصابت إسرائيل بعد التصدي لـ"أسطول الصمود"، حيث انقلب المشهد لتصبح إسرائيل نفسها محاصرة في الرياضة كما في السياسة.
هكذا تثبت الرياضة مرة أخرى أنها ليست بعيدة عن قضايا الشعوب، بل منصة أساسية لفضح الاحتلال وتكريس العدالة.