تشهد مصر أزمة متفاقمة في نقص الأدوية رغم ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وهي أزمة تضرب أساس المنظومة الصحية وتفاقم معاناة ملايين المرضى. هذه الأزمة لم تترجم إلى تحسن في توفر النوعيات أو الكميات، بل انعكست في صورة فوضى حقيقية داخل الصيدليات، واضطراب شديد في الإمدادات، وغياب السمات الأساسية التي يحتاجها مرضى الأمراض المزمنة بشكل خاص. والنتيجة غضب عارم في أوساط المواطنين، واستياء متصاعد من عجز الحكومة عن وضع حلول جذرية لمعضلة تمس حياة الناس مباشرة.
أزمة الصيدليات.. رفوف فارغة وشكاوى متزايدة
شكاوى المواطنين تتدفق من كل المحافظات، لتكشف حجم المعاناة اليومية في البحث المضني عن الدواء. كثير من المرضى يصفون رحلتهم المؤلمة بين الصيدليات بحثًا عن أدوية أساسية، غالبًا بلا جدوى، في ظل ارتفاع الرسوم وتجاهل الجهات المعنية لمشكلات التوزيع. البعض يجد صيدليات مغلقة بسبب عدم قدرتها على توفير الأصناف المطلوبة أو دفع المستحقات المالية للشركات، فيما تتزايد الاتهامات بوجود توزيع غير عادل للأدوية بين المحافظات. كل ذلك يعكس حالة فوضى غير مسبوقة، تجعل المريض في مواجهة مصير مجهول.
أزمة شركات الأدوية.. بين الدولار والمواد الخام
شركات الأدوية بدورها تواجه أزمة خانقة في الاستيراد والتصنيع. ارتفاع أسعار المواد الخام الأجنبية وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة تجاوزت 40% أدت إلى قفزات هائلة في كلفة الإنتاج. هذا الوضع أجبر العديد من الشركات على تقليل كميات الإنتاج أو رفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي يضاعف من حدة الأزمة في السوق المحلية ويؤدي إلى تفاقم ظاهرة نقص الأصناف. وبحسب خبراء، فإن هذه السياسات تؤشر إلى غياب أي رؤية حكومية متكاملة لمعالجة الأزمة، حيث يُترك المواطن ليتحمل وحده كلفة السياسات الاقتصادية الخاطئة.
شهادات المواطنين.. رحلة البحث عن الدواء المفقود
على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات يوتيوب تنتشر شهادات مؤلمة لمرضى يصفون معاناتهم اليومية مع نقص أدوية حيوية مثل أدوية الضغط والسكر والمسكنات. كثير منهم يضطر للتنقل بين عدة صيدليات بحثًا عن عبوة واحدة، بينما يلجأ آخرون إلى السوق السوداء لشراء الأدوية بأسعار مضاعفة تفوق طاقتهم. هذه الشهادات تكشف بوضوح حجم التوتر الاجتماعي والإنساني الذي تولده الأزمة، حيث يجد المرضى المصابون بأمراض مزمنة أنفسهم مهددين في صحتهم وحياتهم، فقط لأن الدولة عاجزة عن توفير الدواء.
الغضب الشعبي واستياء المرضى
أصوات الغضب والاستياء ترتفع في كل مكان، من الصيدليات الفارغة إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتهم المواطنون الحكومة بالتقصير الفادح في إدارة ملف حيوي يرتبط مباشرة بحق أساسي هو الحق في العلاج. الغلاء الفاحش وفوضى التوزيع وضعف الرقابة وغياب الشفافية باتت سمات الأزمة الحالية، بينما تغيب الحلول الواقعية التي يمكن أن تعيد الثقة في المنظومة الصحية.
المرضى، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، يرون أن الدولة تخلت عن مسؤولياتها، وأن الأزمة تكشف هشاشة البنية الصحية والاقتصادية في آن واحد. ومع كل يوم يمر دون دواء، يزداد الغضب الشعبي وتتضاعف الاتهامات للحكومة بالعجز واللامبالاة.
ختاما فإن أزمة نقص الأدوية في مصر ليست مجرد أزمة قطاع دوائي، بل هي انعكاس مباشر لفشل سياسات اقتصادية وصحية مترابطة. بين الغلاء والفوضى في الصيدليات، وغياب الرؤية لدى الحكومة، يجد المواطن المصري نفسه ضحية معاناة لا تنتهي. الأصوات الغاضبة التي تملأ الفضاء العام اليوم ليست إلا جرس إنذار جديد على أن الاستهتار بحياة المرضى قد يتحول إلى قنبلة اجتماعية يصعب احتواؤها.