أصدرت محكمة جنايات القاهرة قرارًا بالغ الأهمية يقضي بإلغاء إدراج 186 سياسيًا من قوائم الإرهاب، والسماح لهم باستخدام أموالهم، ما يمثل خطوة قانونية مهمة تجاه تصحيح أوضاع كثيرين اتهموا ظلماً ووجهت إليهم تهم الإرهاب.
جاء هذا القرار في إطار مراجعة قضائية لمجمل الحالات التي ثبت فيها توقف النشاط الإرهابي، وفقًا لما صرح به رئيس النيابة العامة والنيابات المختصة.
بين الأسماء التي أُزيلت من القائمة شخصيات سياسية، ناشطين وحقوقيين كانوا يخضعون لعقوبات صارمة مثل تجميد الأصول وحظر السفر والتصرف.
جاء قرار المحكمة بعد تحقيقات ومراجعات دقيقة أثبتت توقف النشاط المسلح أو الإرهابي لهؤلاء المفرج عنهم، وهو ما يعكس توجه قضائي لتطبيق مبدأ العدالة والحقوق القانونية المكفولة، إذ يستعيد هؤلاء الحقوق المدنية والسياسية التي حُرموا منها لفترات طويلة.
فجوة بين القضاء والواقع
رغم قرار القضاء الملزم الذي يفترض أن يعيد الحقوق لهؤلاء الأشخاص، إلا أن واقعهم يظل مأزومًا، فهؤلاء السياسيين يعيشون تحت ضغوط أمنية مكثفة قد تصل إلى القمع والاعتقال المستمر، وتظل أموالهم مجمدة عمليًا، مما يعطل حياة أسرهم وأبناءهم اقتصادياً واجتماعياً. كثير من هؤلاء ممن شملهم القرار ما زالوا ممنوعين من ممارسة حقوقهم كاملة، كالتنقل والسفر والمشاركة السياسية، وهذا يعكس تعقيدات الدولة السياسية رغم اتخاذ القضاء لهذا القرار.
القرار يسلط الضوء على فجوة بين النص القانوني والتنفيذ العملي، حيث لا تزال السلطات الأمنية تفرض قيودًا صارمة على المفرج عنهم، وهو ما يثير مخاوف لدى كثير من حقوقيين من أن القمع السياسي وأدواته الأمنية سلطة موازية تتجاوز قرارات القضاء.
المعاناة الاجتماعية والاقتصادية
كما تسجل المعاناة الاجتماعية والاقتصادية لأولئك الذين تم رفع أسماؤهم فيها، وتتحدث التقارير عن حياة شبه مشلولة لأسرهم وأبنائهم بسبب الحصار المفروض عليهم، مما يضعهم تحت دائرة معاناة مستمرة من الحرمان الاقتصادي والاجتماعي.
على مستوى الحقوق القانونية، يتيح رفع الأسماء إعادة التصرف في الأموال المجمدة والاستفادة من الحقوق المدنية، إلا أن الواقع العملي يكشف عن غياب التسهيلات الحقيقية مما يؤكد ضعف تطبيق القانون، واستمرارية الاعتقالات الإدارية والتجديدات غير القانونية.
انتقادات حقوقية
في ضوء ذلك، يطالب عدد من الخبراء والقوى السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان بضرورة احترام قرارات القضاء وضمان تنفيذها فعليًا، إلى جانب رفع كافة القيود عن هؤلاء السياسيين ووقف التضييق عليهم، باعتبار أن إبعادهم عن الحياة السياسية والاجتماعية مخالف لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
التقارير الحقوقية الدولية سبق أن أشارت إلى أن إدراج مئات الأشخاص على قوائم الإرهاب في مصر جاء بقرارات سياسية أكثر منها قضائية، وغالبًا ما افتقدت إلى الأدلة الموثقة. وهو ما يجعل قرار رفع أسماء 186 سياسيًا موضع اهتمام ليس فقط محليًا، بل على المستوى الدولي أيضًا، باعتباره مؤشرًا على إمكانية مراجعة بعض الملفات المثيرة للجدل في مصر.
خطوة متأخرة وناقصة
ختامًا، يمثل رفع أسماء 186 سياسيًا من قوائم الإرهاب خطوة متأخرة بعد أن سلبت حقوق هؤلاء لسنين تضاف إلى تسييس العدالة وسيادة قانون الظلم والبلطجة والتسييس، كما تبقى ناقصة ما لم يصاحبها تطبيق عملي ووقف القمع الممارس ضد العديد منهم.
ويرى مراقبون أن هذا القرار قد يشكل مدخلًا لإعادة النظر في ملفات أخرى مشابهة، خصوصًا مع تصاعد الانتقادات الداخلية والدولية للسياسات الأمنية في مصر. إلا أن الخطوة ستبقى شكلية إذا لم تترجم إلى واقع ملموس يسمح للمفرج عنهم باستعادة حياتهم الطبيعية وممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية كاملة.