في خضم الأزمة الحادة التي يمر بها حزب حماة وطن، لم يأت تعيين الفريق محمد عباس حلمي، وزير الطيران المدني الأسبق، كرئيس جديد للحزب كخطوة نحو اختيار بديل مدني أو إصلاح حقيقي. بالعكس، يعكس هذا القرار بوضوح استمرار سيطرة المؤسسة العسكرية على المناصب السياسية المهمة في مصر، حيث تتواصل الهيمنة العسكرية وتوطيد نفوذها داخل الحزب، وهو ما يفتح النقاش مجددًا عن مسألة التغلغل العسكري في الحياة السياسية والمدنية المصرية.

جاء تعيين حلمي بعد وفاة الفريق الراحل جلال هريدي ليؤكد استمرار النظام في احتكار السلطة عبر رموز عسكرية، وسط أجواء من التوتر والفضائح مثل بيع المقاعد البرلمانية الذي كشفته أمينة الحزب حنان فايز شرشار وأدى لموجة استقالات جماعية داخل الحزب. هذه الأحداث ترسم واقعًا صارخًا لمسيرة الحراك السياسي في مصر، وتعيد التأكيد على أن التغيير الحقيقي لا يحدث طالما أن الجيش يسيطر على عصب القرار السياسي بالبلاد.
 

فضيحة بيع المقاعد: تفاصيل صادمة وأسماء بارزة
كشفت العضوة حنان فايز شرشر، أمينة حزب حماة وطن في مركز البدرشين، في فيديوهات مسربة وصفت بأنها فضيحة، عن مزاد علني لبيع المقاعد في الحزب، حيث وصلت أسعار المقاعد إلى 25 مليون جنيه وحتى 50 مليون جنيه للمقعد البرلماني.
وكشفت شرشر عن تورط قيادات بارزة في الحزب، ومن بينهم أمين أمانة الحزب في الجيزة، نافع عبد الهادي، الذي طالبها بالمبلغ كجزء من عملية بيع المقاعد.
 

تفاقمت الأزمة بعد أن نشرت شرشار هذه التصريحات وسط موجة من الغضب الشعبي والمطالبات بالتحقيق، والانكشاف غير المسبوق للممارسات المالية غير القانونية داخل الحزب، ما أدى إلى استقالات جماعية هزّت هيكل الحزب التنظيمي.
 

استقالات جماعية وأسماء مستقيلة
شهدت أمانة حزب حماة وطن في مركز البدرشين بمحافظة الجيزة استقالات جماعية مطلع سبتمبر 2025، كان من أبرز المستقيلين محمد عبدالله سعودي أمين مركز البدرشين، وأسامة محمود علي، ومحمد حسن جبر، وعبد الحكيم محمد، ونوران محمود عبد العزيز، وذلك على خلفية الفضيحة ورفضًا لاستمرار هذه الممارسات غير القانونية.

كما شهدت محافظة المنوفية استقالات مشابهة في أمانة مركز أشمون احتجاجًا على تسريبات قوائم المرشحين وترشيح عناصر معينة دون أخذ رأي المنظمة الحزبية في الاعتبار، مما أحدث جدلاً داخل الحزب وهدد استمرار استقراره قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by متصدقش (@matsadaash)

 

 

تعيين الفريق محمد عباس حلمي: عودة قوية للمؤسسة العسكرية
بعد الإطاحة بجلال هريدي، تم تعيين الفريق محمد عباس حلمي، وزير الطيران المدني الأسبق، رئيسًا جديدًا لحزب حماة وطن بإجماع أعضاء الحزب، وهو قرار يعكس الاستمرار في نهج احتكار المؤسسة العسكرية للمفاصل الحزبية والسياسية، إذ يتم اختيار رموز عسكرية لإدارة الأحزاب الموالية للنظام، بما يضمن استمرار السيطرة العسكرية على مفاصل اتخاذ القرار.

فهمي شهدا بعد أن أشغل منصبًا رفيعًا داخل الجيش وفات بحكام مصر العسكريين أنه لا مجال لتغيير حقيقي داخل هذا النظام ما دام الجيش يحتكر الساحة السياسية.
 

آراء الخبراء السياسيين
يشير المحلل السياسي حسن نافعة إلى أن فضيحة بيع المقاعد داخل حزب حماة وطن “تعكس ازدواجية النظام السياسي المصري، حيث يوهم بوجود ديمقراطية، لكن يتم التحكم بالمقاعد والقرارات من عسكريين وأجهزة استخبارات.”
كما أكد أن هذه الأفعال تدمر أية آمال في بناء مؤسسات سياسية حقيقية وعلى رأسها البرلمان.

ومن جهته، يرى الصحفي ومقدم البرامج أحمد منصور أن "تعيين الفريق محمد عباس حلمي استمرار طبيعي للسيطرة العسكرية، حيث لم تتغير أية قواعد ضمن اللعبة السياسية التي يتحكم فيها العسكر منذ سنوات طويلة"، مؤكدًا أن النظام المصري هو "جمهورية الضباط" فعليًا، والجيش يعيد إنتاج نفسه في كل مرحلة من مراحل السلطة.
 

خلاصة واستنتاجات
فضيحة بيع المقاعد داخل حزب حماة وطن، واستبدال جلال هريدي بالفريق محمد عباس حلمي ليست سوى الحلقة الأحدث في مسلسل استيلاء العسكر على السلطة والمكانة السياسية في مصر.
استقالات هيكلية من داخل الحزب تكشف حجم الغضب الشعبي الداخلي ورغبة بعض المنتسبين في مقاومة هذا الفساد، بيد أن هذا لا يغير من معادلة سيطرة العسكريين على مواقع صنع القرار.

هذه الوقائع تؤكد أن البرلمان، رغم أهميته، لا يعكس إرادة حقيقية للشعب، وإنما هو أداة لإضفاء شرعية مدنية على نظام عسكري يخشى التنازل عن السلطة والمكاسب.
يظل الحراك السياسي والمجتمعي يحتاج إلى وضوح الرؤية ومواجهة الاحتكار والمؤسساتية العسكرية بالحوار المجتمع المدني والتخطيط لحكم مدني فعلي.