تحوّل حديث عن قرض بقيمة 312 مليون دولار (نحو 15 مليار جنيه مصري) يدار لهدف تحويل "مجمع التحرير" في ميدان التحرير إلى فندق فاخر باسم "كايرو هاوس" يضع سؤالًا بسيطًا: هل تُسوَّق هذه الخطوة على أنها تحديث حضري واستثمار سياحي أم هي عملية بيع رمزي لمساحة عامة بارزة لصالح تحالفات أجنبية ومحلية مرتبطة بالسلطة؟ تقارير صحفية عربية ودولية ذكرت أن تحالفًا أميركيًا-إماراتيًا فاز بعقد التطوير وأن تحالفًا مصرفيًا مصريًا يقود تدبير القرض لتمويل المشروع.

خلفية الصفقة: كيف بدأ كل شيء؟

الطرف الفائز بعقد التطوير كان قد أعلن فوزه في طرح نظمه صندوق مصر السيادي في ديسمبر 2021، ثم ظهرت تفاصيل لاحقة عن البنية الاستثمارية للمشروع، الاسم التجاري "كايرو هاوس" واتفاقات مع سلسلة فنادق دولية لإدارة المنشأة.

تقارير مؤسسة التطوير والمصادر المرتبطة بالمشروع ذكرت استثمارات مبدئية بمليارات الجنيهات ورؤى لتسويق 500 غرفة وشقق فندقية ومرافق ترفيهية في قلب العاصمة.

 

تحالف دولي وعقبات التنفيذ وتأخيرات متكررة

يتكون التحالف المطور للمشروع من شركات عالمية وإقليمية منها غلوبال فينتشرز غروب وأوكسفورد كابيتال الأمريكية، وشركة العتيبة للاستثمار الإماراتية، وزوسر كابيتال بارتنرز.

فاز هذا التحالف بعقد تطوير مجمع التحرير في ديسمبر 2021 عبر طرح نظمه صندوق مصر السيادي باستثمارات مبدئية تفوق 3.5 مليار جنيه.

لكن المشروع واجه تأخيرات مستمرة في تنفيذه إذ تعهد الشريك المؤسس في إحدى الشركات التسليم بنهاية 2024 غير أن ذلك لم ينفذ بعد حتى أكتوبر 2025، ما يثير تساؤلات حول الجدية وسير العمل

 

من سيدفع الفاتورة؟

المبلغ المطروح كقرض هو 312 مليون دولا، ليس رقمًا معزولًا؛ فهو يضاف إلى سلسلة قروض ومشروعات تحكمت بها شبكة من البنوك المحلية (مصر، والأهلي، والعربي الأفريقي، ونكست ذكرت التقارير مشاركتها) لصالح مشروع قد لا يدرّ فوائد اقتصادية واسعة لعموم السكان.

القروض والسيولة المصرفية تُصرف على تحوّل مساحات عامة إلى وحدات استهلاكية فاخرة بينما يعاني المواطنون من ضغوط معيشية وارتفاعات أسعار وخدمات أساسية محدودة.

لماذا يهم ذلك قائد الانقلاب العسكري؟

هذه القصة ليست فقط عن عقود واستثمار أجنبي؛ إنها عن تحالفات السلطة والاقتصاد، منذ 2013 أظهرت دراسات أن الكيانات العسكرية والجهات المرتبطة بالسلطة توسعت في الاحتكار الاقتصادي، واستحوذت على عقود ضخمة ومشروعات استراتيجية.

تحويل مجمع التحرير؛ رمز الإدارة والحياة العامة إلى مشروع سياحي فاخر يندرج ضمن نمط واسع لتحويل الموارد العامة إلى كيانات رابحة تقربها السلطة والجهات الحليفة.

هذا يطرح اتهامًا واضحًا: أن ما يُسوق استثمارًا حضريًا هو في الواقع استكمال لسياسة اقتصاد سياسي يفضّل القريبين من السلطة.

ماذا عن التراث والهوية؟

مجمع التحرير ليس مجرد مبنى؛ هو مشهد من مشاهد الذاكرة والسياسة المصرية، وميدان التحرير يحوي رمزية ثورات واحتجاجات وفضاء عام، تحويله إلى فندق عالمي يقصّي وظيفة المكان كمرفق إداري وفضاء عمومي، ويجعل من سرد المدينة منتجًا سياحيًا للتداول المالي بدلاً من أن يكون ملكًا للذاكرة الجمعية.

المعمار والهوية يعيدان تشكيلهما وفق رغبات السوق بدلاً من المصلحة العامة.

مبررات داعمي المشروع والقراءة الاقتصادية المضادة

مروّجو المشروع يقدمون وعودًا بأن التطوير سيعلي قيمة وسط القاهرة ويجلب استثمارات وسياحًا ووظائف.

لكن قراءة اقتصادية نقدية تشير إلى أن خلق جيوب رفاهية في قلب مدينة تعاني ضعف خدمات عامة، وارتفاع بطالة وأعباء معيشية، لا يضمن توزيعًا عادلًا للعائدات.

بدلاً من مشاريع ضخمة موجهة لجذب النخبة والسياح الأثرياء، قد تكون الاستثمارات المتوسطة والصغيرة في الصناعة، التعليم، الصحة والمواصلات محفّزات أقوى للنمو الشامل.

كلام مقابل أرقام

الوقائع المعلنة؛ فوز التحالف في ديسمبر 2021، اتفاق إدارة الفندق مع سلسلة ماريوت (أوتوجراف كولكشن) في فبراير 2025، ومنشورات صحفية في سبتمبر 2025 عن تدبُّر قرض بقيمة 312 مليون دولار، كلها تشكّل سردية رسمية تُقدّم الإنجاز الاقتصادي.

لكن تصريحات مسؤولي الاستثمار والسياحة لا تعالج مخاوف السكان حول الإتاحة العامة، ولا تقدم شفافية واضحة عن شروط القرض، مدة الاسترداد، أو الضمانات الحقوقية للملكية العامة.

النهاية.. صراع على المدينة أم صفقة زمنية؟

تحويل مجمع التحرير إلى فندق عالمي بتمويل عبر قرض بقيمة 312 مليون دولار هو فصل آخر في مسلسل تحويل الفضاء العام إلى منفعة رأسمالية ترتبط بمصالح تحالفات محلية وإقليمية ودولية.

تبدو الصفقة كتثبيت لهيمنة نموذج اقتصادي يضع الربح فوق الذاكرة والحق العام في المدينة.

الأرقام والتواريخ، ديسمبر 2021، فبراير 2025، سبتمبر 2025، تدلّ على تسارع تنفيذ المشروع، ولكنها أيضًا تشير إلى أن السؤال الحقيقي: لمن تكون المدينة؟