كتب صالح سالم من القاهرة أن موافقة مصر على الخطة الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة تمثل تحوّلًا براجماتيًا عن موقفها الرافض لمقترح فبراير 2025، الذي اقترح إدارة أمريكية مباشرة للقطاع واحتمال تهجير الفلسطينيين. إعلان القاهرة دعمها جاء في 29 سبتمبر، حين وصف رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي الخطة خلال لقائه بمحمد بن زايد بأنها "خطوة نحو سلام دائم وشامل".
وأكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي الموقف نفسه أمام الأمم المتحدة، معتبرًا أن الرؤية الأمريكية تمثل أساسًا يمكن البناء عليه لاستعادة الاستقرار.
أوضح العربي الجديد أن الموقف المصري الجديد يعكس حسابات استراتيجية؛ فبينما وصفت القاهرة الخطة السابقة بأنها "تطهير عرقي"، ترى أن المقترح الحالي يحقق جملة من أهدافها الأمنية والسياسية، وأبرزها تحييد المخاطر الناجمة عن حرب إسرائيل على غزة.
تنص الخطة على وقف فوري لإطلاق النار في حال موافقة حماس، وتحرير الأسرى الإسرائيليين، يلي ذلك انسحاب مرحلي للقوات الإسرائيلية، ثم إنشاء نظام حكم لما بعد الحرب يستبعد كلًا من إسرائيل وحماس. ويقترح ترامب تشكيل مجلس سلام برئاسته إلى جانب توني بلير، ما أثار شكوك بعض المحللين المصريين الذين وصفوا المجلس بأنه وصفة لتأجيج التوترات أكثر من تحقيق الاستقرار.
يصب غياب حماس عن الحكم بعد الحرب في مصلحة القاهرة، إذ تعتبرها امتدادًا أيديولوجيًا لجماعة الإخوان المسلمين، التي انقلب عليها السيسي بعد عام من حكمها. وترى مصر أيضًا أن استمرار هيمنة الحركة عائق أمام وحدة الصف الفلسطيني الضرورية لإقامة الدولة. في المقابل، يهدد استمرار الاحتلال الإسرائيلي هذا الحلم بسبب التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وخطط ضمها بالكامل.
أعاد اعتراف عدد من الدول الكبرى مؤخرًا بالدولة الفلسطينية إحياء الأمل في السيادة، وزاد ترامب هذا الأمل بتعهده منع إسرائيل من ضم الضفة، وهو ما وصفه محللون بأنه رمى الكرة في ملعب الفلسطينيين. لكن مسألة الدولة تبقى "لغمًا سياسيًا"، خصوصًا أن نتنياهو يعارضها علنًا.
يعتبر مراقبون أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة سيفتح باب إعادة إعمارها. كما أن إنهاء حكم حماس ونزع سلاحها سيشجع المجتمع الدولي على تمويل المشاريع. وتملك مصر بالفعل خطة لإعمار القطاع بقيمة 53 مليار دولار أُقرت عربيًا وإسلاميًا في مارس الماضي، تركّز على إعادة بناء ما دمّره الاحتلال وضمان تلبية احتياجات نحو مليوني فلسطيني. وتراها القاهرة بديلًا عن خطة ترامب السابقة لتحويل غزة إلى "ريفييرا شرق أوسطية"، التي تضمنت توطين لاجئين في سيناء.
يشكل هذا البعد نقطة ربح استراتيجي لمصر، إذ يخفف من مخاوفها المزمنة بشأن التهجير. هذه المخاوف دفعت القاهرة إلى تعزيز انتشارها العسكري في سيناء بحوالي 40 ألف جندي ومنظومات دفاع جوي حديثة، في خطوة أثارت قلق إسرائيل ودفعتها للضغط عبر واشنطن. لكن مصر أكدت أن الإجراءات دفاعية لمنع تسلل المتشددين.
يصف السيسي تهجير سكان غزة بأنه "خط أحمر"، محذرًا من أن فرضه سيهدد السلام مع إسرائيل، كما صرّح سابقًا في مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتس. ويرى أن نقل الفلسطينيين إلى سيناء سيجعل أراضي مصر منطلقًا لعمليات ضد إسرائيل، بما يجر القاهرة إلى مواجهة مفتوحة.
ورغم ترحيب القاهرة بالخطة الأمريكية، تبقى هناك تساؤلات حول غياب دور واضح للسلطة الفلسطينية، التي تراها مصر ضرورية لضمان وحدة الإدارة الفلسطينية. ويرجّح محللون أن تضغط القاهرة بقوة من أجل تسلّم السلطة إدارة غزة بعد الحرب، خصوصًا أنها درّبت الآلاف من عناصر الأمن الفلسطيني استعدادًا لذلك.
تتطلب الخطة إصلاحات جذرية من السلطة قبل توليها المسؤولية، بينما سيجد قادة حماس أنفسهم أمام خيار إعادة ابتكار الحركة كحزب سياسي يشارك في الحياة العامة دون سلاح. ويؤكد خبراء في العلاقات الدولية أن مصر ستعتبر عودة السلطة إلى غزة الطريق الوحيد نحو الوحدة الإدارية والسياسية للأراضي الفلسطينية.
هكذا تنظر القاهرة إلى خطة ترامب كفرصة لتحقيق مكاسب مزدوجة: تقليص نفوذ خصومها الإسلاميين، وضمان عدم توطين الفلسطينيين في سيناء، وفي الوقت ذاته تعزيز صورتها كوسيط إقليمي أساسي. لكن الخطة، رغم ما تحمله من وعود، تظل رهينة التنفيذ على الأرض، ومصيرها مرتبط بقدرة الأطراف الدولية والإقليمية على توفير التمويل، وضمان قبول الفلسطينيين بنظام حكم مفروض عليهم من الخارج.
https://www.newarab.com/news/donald-trumps-plan-gaza-victory-egypt