مصطفى عبد السلام
رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"
"المستشفيات قبل الملاعب"، و"الملاعب موجودة، لكن أين المستشفيات؟"، و"الشعب يريد الصحة والتعليم" و" أولويات الحكومة خاطئة وليست هي أولوياتنا" و"الصحة أولًا.. ما بغيناش كأس العالم". تحت هذه الشعارات وغيرها اندلعت تظاهرات واسعة في المغرب منذ أيام وامتدت إلى العديد من المدن.
التظاهرات قادتها مجموعة شبابية مجهولة تحمل اسم "جيل زد 212"، وتتراوح أعمار من فيها بين 15 و25، سنة، لكن ما لبثت شريحة المتظاهرين أن اتسعت، لتنضم إليها شريحة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، وهؤلاء يصل عددهم الإجمالي داخل المملكة إلى 8.2 ملايين نسمة.
وبسرعة انتقلت التظاهرات إلى الشارع، بعد أن بدأت على الإنترنت ومواقع التواصل، ولاقت قبولًا واستمرارية، ساعدها في ذلك إفلاتها من الملاحقات الأمنية واستخدام المتظاهرين عالم الرقمنة ومواقع التواصل الحديثة في ترتيب موعد وأماكن التظاهرات، كما استغلّ شباب زد الغضب المتصاعد في المغرب من تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في الترويج لشعاراتهم في الشارع وعلى منصات تيك توك وإنستغرام وتطبيق الألعاب ديسكورد.
التظاهرات الصادمة للمسؤولين في المغرب جاءت أيضًا على خلفية ما تشهده المملكة في السنوات الأخيرة من غلاء فاحش للأسعار، خاصة في ظل حكومة رجل الأعمال والملياردير عزيز أخنوش، وارتفاع معدل البطالة بين المؤهلين من الشباب للعمل، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن شابًا من اثنين يُعاني من البطالة في المدن. كما أنه وبحسب الإحصاءات الرسمية بلغ معدل البطالة 12.8%، في حين بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 1.5 مليون شخص.
كذلك تأتي في إطار اعتماد مغربي متزايد على الاقتراض الخارجي، وانزلاق ملايين المغاربة إلى دائرة الفقر وتدهور مستوى المعيشة وافتقاد العيش الكريم تحت تأثير التضخم والأسعار الجامحة والجفاف، وهشاشة النمو الاقتصادي والتفاوت الاجتماعي واتساع الفجوة بين الفئات الغنية والهشة، وتعثّر نظام الرعاية الصحية مقابل تخصيص مليارات الدولارات لمشروعات كأس العالم.
وبما أن البطالة المرتفعة والفساد هما من حرّكا هؤلاء المتظاهرين نحو الشارع، لذا جاءت مطالبهم واضحة وبسيطة، وهي تحسين الوضع المعيشي وخدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد وتوفير وظائف وخلق فرص عمل للعاطلين، وترشيد الإنفاق على المشروعات الرياضية وتشييد الملاعب.
حتى الآن لا يزال موقف السلطة غامضًا تجاه تلك التظاهرات، باستثناء اعتقالات وقمع لعدد من الشباب المحتجّ من قبل أجهزة الأمن، ومن السابق لأوانه تأكيد استمرارية هذا الحراك، لكن نجاحه يمكن أن يتمدّد عربيًا، فحال الشباب في مصر وتونس والجزائر والأردن والعراق وسورية وليبيا وموريتانيا واليمن لا تختلف عن حال نظرائهم في المغرب الذين هبّوا محتجين ضد تهميش السلطة لهم، وتجاهل معاناتهم والفشل في توفير فرص عمل وحياة كريمة له، كما لا يختلف الحال عن السودان وبعض الدول الخليجية التي تشهد قفزةً في معدلات البطالة، خاصة بين المتعلمين، لدرجة دفعت ملايين الشباب نحو التفكير في الهجرة والبحث عن فرصة عمل في الخارج.