في 9 سبتمبر 2025، اختفى سوار ذهبي فرعوني يعود لحكم قبل نحو 3,000 سنة من مختبر ترميم في المتحف المصري بالقاهرة أثناء استعداد المتحف لإعارة قطع لمعرض خارجي.
أعلنت السلطات لاحقًا أن السوار سُرق ثم مرّ عبر سلسلة من التجّار إلى أن ذاب في مصهر وبيع بأقل من 4,100 دولار، ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا.
ما الذي حدث ومتى وأين؟
بحسب بيانات رسمية ونشرات صحفية، جرى السطو داخل مختبر الترميم بالمتحف المصري في وسط القاهرة في 9 سبتمبر 2025، واكتُشِف النقص أثناء جرد تحضيري لإرسال مقتنيات لمعرض في روما.
أجهزة الأمن ألقت القبض على أربعة مشتبه فيهم، من بينهم موظفة مختبر ترميم، وبحسب التحقيقات اعترف المتهمون بأنهم باعوا السوار مقابل مبالغ زهيدة ثم ذاب، ما أدى إلى فقدان أثر القطعة نهائيًا.
الرقمان الأساسيان اللذان عكسا حجم الكارثة: نحو 3,000 سنة عمر القطعة، وسعر إعادة البيع النهائي 4,000 دولار.
اكتشاف اختفاء السجلات.. هل تم طمس الأدلة؟
ما زاد الوقاحة في القضية هو ما كشفته لجنة معاينة داخلية، بحسب تقارير صحفية ومقاطع تداولية على منصات التواصل من اختفاء سجلات التداول والترميم الخاصة ببعض القطع، وما رُصد من ثغرات إدارية في توثيق المقتنيات وتحركاتها داخل المتحف.
هذا الاكتشاف يطرح سؤالًا مباشرًا؛ هل كانت سرقات فردية أم جزءًا من شبكة استغلال ممنهج داخل مؤسسات الآثار؟
المصادر الصحفية المحلية أوردت أن اللجنة لاحظت غيابًا في دفاتر وسجلات التوثيق، وهو ما يعقّد مهمة استرجاع القطع أو تعقب مهربّيها.
الاتهامات المضمرة.. موظفون متواطئون أم فشل مؤسسي؟
المشاهدات الميدانية والحِجج المتكررة في تغطية الحادث تُشير إلى احتمالين متوازيين:
الأول فشل أمني وإداري واضح (مختبرات بلا كاميرات داخلية، سجلات متقطعة، إجراءات إعارة ضعيفة).
والثاني احتمالية تواطؤ أو إهمال متعمد من قبل أفراد داخل الجهاز الإداري.
ناشطون وخبراء آثار مثل الدكتورة مونيكا حنا اعتبروا الحادث جرس إنذار يستدعي تعليق الإعارات الخارجية حتى تتعزز الضوابط، بينما دعا حقوقيون إلى تحقيقات شفافة ومعاقبة المتورطين على أعلى المستويات إن ثبتت التواطؤات.
لكن لا توجد حتى الآن دلائل منشورة تثبت وجود شبكة رسمية على مستوى الوزارة؛ ما لدينا هو مزيج من اعترافات متهمين وثغرات إدارية.
الأسباب الحقيقية وراء أزمة سرقة الآثار
- ضعف نظم الحفظ والإدارة داخل المتحف، حيث لا توجد سجلات دقيقة لمتابعة الحركة الداخلية للقطع، كما كشفت التحقيقات.
- الفساد المؤسسي ووجود مافيات مستقرة تعمل داخل الدولة، مدعومة بشبكات معقدة تهرّب القطع الأثرية للخارج أو تسوقها في المزادات غير الشرعية، والتي بلغت مئات الآلاف من القطع التي تهرب سنويًا.
- إهمال الحكومات المتعاقبة، خاصة في العقد الأخير، وخروج المتاحف المصرية من دائرة الأمن، مع تدمير بعض المتاحف ونقاط الحفظ أثناء الفوضى السياسية بعد 2011، مما أفقد الدولة قدراتها على الحفظ والمراقبة الكاملة.
- توظيف الآثار كأداة دبلوماسية سرية، حيث تم تهريب عشرات الآلاف من القطع الأثرية كـ"هدايا" رمزية بين حكومات إقليمية، خاصة بين مصر والإمارات.
أرقام وإحصاءات توضح مدى الخطر على التراث
- عمر القطعة المسروقة: نحو 3,000 سنة (القرن الحادي قبل الميلاد تقريبًا).
- تاريخ السرقة المبلغ عنه رسميًا: 9 سبتمبر 2025.
- عدد المعتقلين المعلن عنهم: 4 أشخاص؛ من بينهم موظفة ترميم.
- سعر إعادة البيع الذي أظهرته التحقيقات: حوالي 3,700–4,025 دولارًا بعد إذابة السوار.
هذه الأرقام تكشف بوضوح الفرق بين القيمة التاريخية والثقافية للمقتنيات ومقابلها المادي الحالي في سوق السوداء، وهو ما يبرز مدى التقصير في حماية التراث.
تصريحات خبراء وحقوقيين انتشرت فور الكشف عن الحادث: هذا جرس إنذار للحكومة، كما وصف "مالك عدلي" ناشط ومدافع عن الحريات، الحادث بأنه مؤشر على فشل مؤسسي.
الدكتورة مونيكا حنا طالبت بـ"تجميد الإعارات الخارجية" لحين إصلاح نظم الحماية والتوثيق.
على الجانب الرسمي، اكتفت وزارات الدولة بنشرات بيانات حول القبض والتحقيق، مع وعود بالتحقيق والشفافية، لكن الجمهور يطالب بإجراءات عملية وإصلاحات ملموسة، لا مجرد بيانات.
لماذا يُحمّل النظام المسؤولية؟
من وجهة نظر ناشطين وسياسيين، هذه الحادثة ليست مجرد أخطاء فردية وإنما نتاج سياسات واسعة؛ تهميش مؤسسات الدولة، تحويل مؤسسات عامة إلى أدوات توظيف ولاء، وضعف أنظمة الرقابة، وإهمال للموارد المادية والبشرية.
وهؤلاء يصبّون نقدهم مباشرة على حكم قائد الانقلاب العسكري الذي يرى المعارضون أنه مسؤول عن تآكل المؤسسات واستبداد الإدارة المركزية التي تُنتج فسادًا مؤسسيا.
لا يعني هذا بالضرورة أن كل موظف متواطئ، لكن الغياب المزمن للشفافية والرقابة يجعل من سياسات الدولة أرضًا خصبة للسرقات والانتهاكات.
مطالب عامة وإجراءات عملية
المواطنون والخبراء يطالبون الآن بما يلي كحد أدنى: نشر نتائج التحقيقات كاملة، استرداد الملفات والسجلات المفقودة، تركيب أنظمة مراقبة داخل المختبرات، إعادة تقييم سياسات الإعارة الخارجية، ومساءلة أي مسؤول ثبت تورطه أو إهماله الجسيم.
وإذا كانت الدولة جادة في حماية تراث يمتد لآلاف السنوات، فإنها مطالبة بالتحول من بيانات إعلامية روتينية إلى إصلاح حقيقي وشفاف، وإلا سيستمر التراث في التحوّل إلى بضاعة رخيصة في سوق لا يرحم.