يشهد المغرب منذ نهاية الأسبوع الماضي موجة احتجاجات شبابية غير مسبوقة، تقودها حركة أطلقت على نفسها اسم "جيل زد 212"، في إشارة إلى رمز الهاتف الدولي للمغرب. هذه الحركة التي خرجت من رحم الفضاء الرقمي عبر منصة "ديسكورد"، سرعان ما تحولت إلى ظاهرة ميدانية، إذ انتقل المئات من الشباب إلى الشارع مطالبين بإصلاح منظومتي التعليم والصحة العموميتين، في وقت واجهتهم السلطات الأمنية بالقوة والتوقيفات. ورغم المنع والاعتقالات، استمرت الدعوات للاحتجاج، ما يعكس إصرارًا لافتًا لهذا الجيل على إسماع صوته.
انطلاقة مفاجئة من العالم الرقمي
ظهرت حركة "جيل زد" فجأة قبل أيام قليلة على منصات التواصل، حيث بدأت بنقاشات داخلية على "ديسكورد"، قبل أن تتحول إلى دعوات علنية للتظاهر في مختلف المدن المغربية. يومي السبت والأحد 27 و28 سبتمبر شهدت أزيد من 11 مدينة، من بينها الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وأغادير، وقفات ومسيرات شبابية رفعت شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العمومية.
وقد ركزت الشعارات على مطلبين أساسيين: إصلاح قطاع الصحة الذي يعيش حالة من التدهور، وضمان تعليم عمومي جيد ومتاح للجميع. في المقابل، رفض المحتجون ما وصفوه بـ"الأولويات المقلوبة"، منتقدين تخصيص الدولة إمكانيات ضخمة للتحضير لكأس العالم 2030 بدلًا من الاستثمار في القطاعات الحيوية للمواطنين.
قمع واعتقالات في ثالث أيام الاحتجاج
مع تجدد الدعوات للتظاهر يوم الاثنين، شهدت العاصمة الرباط وعدد من المدن المغربية تجمعات جديدة، لكن قوات الأمن تدخلت بقوة لتفريقها. وجرى توقيف عشرات الشبان الذين حاولوا الانضمام إلى الوقفات، خصوصًا في العاصمة.
السلطات تعتبر أن هذه التظاهرات غير مرخص لها وتشكل تهديدًا للنظام العام، فيما يرى المحتجون أن تعامل الدولة يعكس رفضًا للاعتراف بمطالب اجتماعية عادلة. هذا التوتر جعل الحركة أكثر حضورًا إعلاميًا، حيث انتشرت صور وفيديوهات التوقيفات والتدخلات الأمنية على نطاق واسع في منصات التواصل.
بين دعم المطالب وتخوف من المآلات
أثارت حركة جيل زد جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية. فبينما يرى مراقبون أن الشباب يرفعون مطالب مشروعة تمس صميم حياة المواطنين، يخشى آخرون من أن تقود هذه التعبئة غير المؤطرة إلى انزلاقات أمنية أو استغلال سياسي.
مؤيدو الحركة يعتبرون أن احتجاجاتها شبيهة بما وقع في نيبال، حيث تمكن شباب من نفس الجيل من الإطاحة بحكومة متهمة بالفساد وسوء التدبير. كما يشيرون إلى أن المغرب لم يشهد احتجاجات شبابية بهذا الزخم منذ حركة 20 فبراير سنة 2011. أما المعارضون فيرون أن غياب قيادة واضحة أو هيكلة تنظيمية يجعل الحركة غامضة الأهداف، وقد تفتح الباب أمام التحريض أو الفوضى.
خلفيات اجتماعية متراكمة
لا يمكن فصل هذه الاحتجاجات عن واقع اجتماعي واقتصادي صعب. فقد انتشرت خلال الأشهر الأخيرة صور ومقاطع فيديو توثق لمعاناة المرضى في المستشفيات، وحالات وفاة مرتبطة بنقص التجهيزات أو الإهمال الطبي. كما أثارت مشاريع حكومية تخص خصخصة التعليم العالي قلقًا واسعًا، إذ يخشى كثيرون أن يؤدي ذلك إلى إقصاء الطبقات الفقيرة من فرص التعليم الجامعي.
هذا التدهور في الخدمات الأساسية ترافق مع غلاء معيشي متزايد، ما زاد من شعور الشباب بالتهميش ودفعهم إلى الخروج إلى الشارع للتعبير عن غضبهم.
صوت الشباب بين الأمل والقلق
يؤكد عدد من شباب الحركة أن خروجهم عفوي وبريء، لا يقف وراءه أي حزب أو منظمة أو نقابة. بالنسبة لهم، هي صرخة مواطنين مقهورين يريدون لفت انتباه المسؤولين إلى أن الأولويات يجب أن تكون الصحة والتعليم والعيش الكريم.
لكن في المقابل، يرى آخرون من نفس الفئة العمرية أن هذه الدعوات قد تجر البلاد إلى المجهول، خاصة في ظل غياب وضوح حول الجهة المنظمة والقيادة الموجهة. ويخشى هؤلاء من أن يتم استغلال الحراك لإثارة الفوضى أو تهديد الاستقرار.
احتجاجات جيل زد في المغرب تمثل حدثًا مفصليًا يعكس وعيًا جديدًا لجيل نشأ في العالم الرقمي لكنه يرفض البقاء حبيس الشاشات. ورغم القمع والاعتقالات، ما تزال الدعوات متواصلة، ما يؤكد أن الشباب يريدون أن يكونوا طرفًا فاعلًا في صياغة مستقبل البلاد.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستتعاطى السلطات بجدية مع مطالبهم الاجتماعية الصرفة، أم ستستمر في مقاربة أمنية قد تزيد من تعقيد المشهد وتغذية الاحتقان؟