أعلنت حكومة مصطفى مدبولي مؤخراً عن بيع كامل حصة اتحاد المساهمين في شركة "الشرقية للدخان" لمستثمر أجنبي إماراتي بقيمة 6.24 مليار جنيه مصري. هذه الصفقة أثارت تساؤلات واسعة حول مستقبل الاقتصاد المصري ومخاطر فقدان السيطرة على أصول استراتيجية، لا سيما وأن "الشرقية للدخان" تعد لاعباً أساسياً يحتكر تجارة السجائر في مصر. يتزامن هذا البيع مع مسلسل طويل من الضغوط التي مورست على العمال، مما يعكس ضعف الحكومة في حماية الأصول الوطنية ويرسخ التمدد الإماراتي في الاقتصاد المصري.

 

هشاشة الرقابة الحكومية وتأثيرها على العمال

رغم أهمية شركة الشرقية للدخان كقوة اقتصادية وطنية، إلا أن الحكومة أظهرت غياباً واضحاً للرقابة والإدارة الفعالة، مع تراجع في حماية العمال وحقوقهم. شهدنا خلال الفترة الماضية ضغوطاً مكثفة على العمال، وصلت إلى حد التهديد والاضطهاد لمنعهم من الاحتجاج على أوضاعهم، بهدف تهيئة الأجواء لتسريع عملية البيع. هذا السلوك يعكس إهمال الحكومة للدور الاجتماعي والاستراتيجي لهذه الشركات، مما ينعكس سلباً على الاستقرار في سوق العمل وحياة الأسر العاملة.

 

التمدد الإماراتي وتأثيره على اقتصاد مصر

يتزايد نفوذ المستثمرين الإماراتيين في الاقتصاد المصري، ولا تقتصر السيطرة على قطاعات صغيرة، بل تمتد إلى قطاعات استراتيجية بحجم تجارة السجائر، ما يثير قلق اقتصادي وسياسي. هذه الهيمنة تُعد خطوة نحو تحويل اقتصاد مصر لخدمة مصالح أجنبية قد تضحي بالحقوق الوطنية وتفتقد للديمقراطية الاقتصادية التي تستفيد منها البلاد والشعب كما يؤكد خبراء اقتصاديون معارضون. يذكرون أن التوسع الإماراتي يجب أن يخضع لضوابط صارمة لضمان حماية السيادة الاقتصادية وعدم تحويل مصر إلى مجرد سوق استهلاكي.

 

مخاطر فقدان السيادة الاقتصادية الوطنية

يهدد بيع الأصول الوطنية إلى المستثمرين الأجانب خاصة في قطاعات استراتيجية مثل "الشرقية للدخان" بفقدان مصر لجزء مهم من سيادتها الاقتصادية، إضافة إلى ضعف قدرة الدولة على التحكم في الأسعار والسياسات المرتبطة بها. هذه الخسارة تدفع باتجاه فقدان القدرة على صنع القرار المستقل والحد من الاستثمارات الوطنية التنموية، مما قد يؤدي إلى تعطيل التنمية المستدامة وازدياد الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية التي لا تخدم المصلحة العامة.

يرى كبار الخبراء الاقتصاديين مثل الدكتور محمد عبد السلام أن بيع "الشرقية للدخان" بهذه الطريقة يمثل تنازلاً خطيراً عن أصول الدولة ويضعف من قدرتها على تحقيق أهداف التنمية. يضيف الدكتور أحمد زويل أنه كان من الأفضل تعزيز رأس المال الوطني بدلاً من السماح للتمدد الخارجي أن يهيمن على السوق. كما تؤكد الباحثة مها العطار أن الحكومة بحاجة لتبني سياسات تنموية تحترم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتوقف بيع الأصول الاستراتيجية.

 

دعوات لإعادة النظر ومواجهة تبعات الخصخصة

يطالب نشطاء الاقتصاد والمعارضة السياسية بإعادة النظر في سياسة بيع الأصول الحكومية ووقف الإجراءات التي تؤدي إلى تفتيت الثروات الوطنية. كما يدعون إلى اعتماد سياسات توسعية قائمة على دعم الصناعة المحلية وتشجيع الاستثمارات الوطنية التي تخدم الشعب والاقتصاد، ووقف التصدير الزائد للثروات الوطنية الذي يعمق الاعتماد على مصالح خارجية.
وفي الختام، تبقى قضية بيع "الشرقية للدخان" نموذجاً حياً للتحديات التي تواجه الاقتصاد المصري بين سياسات الخصخصة الصارمة والتمدد الخارجي، مما يستدعي مراجعة جادة من الحكومة للحفاظ على السيادة الاقتصادية وتنفيذ إصلاحات تخدم مصالح الوطن والمواطن على حد سواء.