كتب الدكتور بينوي كامبمارك في مقال رأي أنّ القصف النووي لمدينتي هيروشيما وناغازاكي في أغسطس 1945 ما زال المثال الوحيد لاستخدام السلاح الذري في التاريخ، لكنه لم يردع سباق التسلح النووي. وأوضح أنّ قتل عشرات الآلاف من المدنيين بتصاميم تجريبية فتح الباب أمام سباق تسلّح لم يتوقف حتى الآن. ورأى أنّ وزير الحرب الأميركي آنذاك هنري ستيمسون اعتبر السلاح الجديد فرصة لصياغة نظام عالمي يضمن السلام، لكن النتيجة جاءت عكسية، إذ صار الاستخدام العسكري للذرة حقيقة راسخة.
يشير المصدر ميدل إيست مونيتور إلى أنّ ثمانين عامًا بعد القصف، يتكشّف اتجاهان متباينان: دول بلا سلاح نووي تسعى لتجريمه عبر معاهدات مثل "معاهدة حظر الأسلحة النووية"، ودول تابعة لواشنطن مثل أستراليا تفضّل الاحتماء بمظلة الردع الأميركي. أما الدول النووية التسع – الولايات المتحدة، روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل – فتواصل تحديث ترساناتها وفق تقرير معهد ستوكهولم للسلام لعام 2024، وكأنها قطع ثمنية تحتاج إلى رعاية دائمة.
يبرز الكاتب أنّ معاهدة حظر الانتشار النووي الموقعة عام 1968 كرّست هذه "الأرستقراطية النووية"، إذ منحت الدول غير النووية حق استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية مقابل التزام القوى النووية بالتفاوض نحو نزع السلاح. غير أنّ المادة السادسة من المعاهدة صارت بالية، كما يوضح سيزار جاراميلو مدير "بروجكت بلوشايرز"، الذي يرى أنّ الدول النووية تخلّت عن التزاماتها فيما تهدّد تحولات الجغرافيا السياسية بهدم الأعراف الدولية.
ويؤكد المقال أنّ الهجوم الإسرائيلي والأميركي في يونيو 2025 على منشآت إيران النووية كشف التناقض. فبينما ادعت واشنطن وتل أبيب رفض السلاح النووي، أثبتتا في الوقت نفسه قيمة امتلاكه عبر "عملية الأسد الصاعد" و"عملية المطرقة الليلية" ضد منشآت فوردو ونطنز وأصفهان. ويصف الكاتب هذا التناقض بالعبثي، إذ إنّ طهران التزمت سابقًا بالاتفاق النووي قبل انسحاب واشنطن منه عام 2018. ورغم أنّ تخصيب إيران لليورانيوم بلغ 60%، ظلّ أقل من نسبة الـ90% اللازمة لصنع سلاح نووي.
انتقد الكاتب غياب المدافعين عن القانون الدولي أثناء القصف، لافتًا إلى أنّ الإدانات وُجّهت لإيران وحدها بينما بقيت إسرائيل – الدولة النووية غير المعلنة – بمنأى عن أي محاسبة. وأبرز تصريح وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ التي أعلنت دعمها للهجمات باعتبار أنّ العالم "اتفق منذ زمن على منع إيران من امتلاك السلاح النووي".
ويرى المقال أنّ الدرس المأساوي للهجوم على إيران يعزّز الفكرة أنّ الدولة التي لا تملك قدرة ردع نووية تبقى مهدَّدة. ويشير إلى أنّ كوريا الشمالية استوعبت هذا الدرس بعد سقوط نظامي صدام حسين ومعمر القذافي رغم تخليهما عن برامج السلاح النووي. وفي أوروبا، بدأت بعض الدول تبحث خيارًا جماعيًا قد يقود إلى "قنبلة أوروبية"، خوفًا من تراجع التزام واشنطن بردع نووي، رغم وجود نحو مئة رأس نووي أميركي على القارة.
ويشبّه الكاتب "النادي النووي" بنادٍ أرستقراطي يتطلب تزكيات قوية ورعاة نافذين وجرعة كبيرة من النفاق. ومن يفشل في ذلك يلجأ إلى السرية كما فعلت إسرائيل. ويرى أنّ العضوية تضمن أمنًا نسبيًا لكنها تخلق في الوقت نفسه رفضًا مطلقًا للتخلي عن هذا الامتياز، ما يرسّخ منطق القوة بدلًا من نزع السلاح.
ويخلص المقال إلى أنّ الغطرسة النووية ما زالت تسيطر على القوى الكبرى، وأنّ ذكرى هيروشيما وناجازاكي لم تؤسس لردع السلاح النووي بل لشرعنة امتلاكه. ويؤكد أنّ الانتشار النووي يظلّ "غبارًا في الهواء" يهدد الأمن العالمي ويكشف ازدواجية المعايير في النظام الدولي.
https://www.middleeastmonitor.com/20250903-nuclear-snobbery-and-atomic-anniversaries/