تواصل سلطات الاحتلال الصهيوني تصعيدها الممنهج ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، عبر سياسة مزدوجة تقوم على تكثيف الاعتقالات من جهة، وتوفير الغطاء الأمني لاقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى من جهة أخرى، في مشهد يعكس استراتيجية تهدف إلى إحكام السيطرة على المدينة وتغيير واقعها الديمغرافي والديني.
ففي الساعات الأولى من صباح اليوم، شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في بلدة عناتا شمال شرق القدس، أسفرت عن اعتقال 16 فلسطينيًا، بينهم شبّان تم اقتيادهم من منازلهم بعد مداهمات عنيفة. ووفق ما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، حاصرت قوات الاحتلال أحياء البلدة واقتحمت عشرات المنازل، وحوّلت أحدها إلى مركز ميداني للتحقيق، حيث جرى استجواب عدد من الأهالي وسط تهديدات وضغوط.
المصادر المحلية تحدثت عن تكسير أبواب المنازل وإتلاف ممتلكات المواطنين خلال عمليات التفتيش، في سياسة اعتبرها أهالي البلدة "عقابًا جماعيًا" يهدف إلى نشر الخوف وترهيب العائلات. هذه المشاهد باتت شبه يومية في القدس والضفة الغربية، حيث تنفذ قوات الاحتلال اقتحامات ليلية متكررة تتخللها اعتقالات وتحقيقات ميدانية وتحطيم للمنازل.
خلفية متصلة باقتحامات الأقصى
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه باحات المسجد الأقصى المبارك اقتحامات متصاعدة من قِبل جماعات المستوطنين، بحماية مكثفة من شرطة الاحتلال، ضمن محاولات فرض واقع جديد في أقدس مقدسات المسلمين بالقدس. ويرى مراقبون أن تكثيف الاعتقالات في الأحياء المقدسية يسعى إلى إضعاف الحاضنة الشعبية للأقصى، ومنع أي حراك جماهيري قادر على التصدّي لهذه الانتهاكات.
ويحذّر الفلسطينيون من أن هذه السياسة المزدوجة – استهداف الإنسان والهوية الدينية في آنٍ واحد – تمثّل حلقة من خطة أوسع لتفريغ القدس من سكانها الأصليين وتكريس الطابع اليهودي للمدينة، بما يتماشى مع مشاريع الاستيطان والتهويد.
ردود فعل حقوقية
نددت المنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية مرارًا بهذه الممارسات، معتبرة أن الاعتقالات الجماعية والتحقيقات الميدانية وحرمان المعتقلين من المحاكمة العادلة تمثّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. كما أن الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى تشكّل استفزازًا لمشاعر ملايين المسلمين حول العالم، وتعدّ خرقًا للوضع التاريخي والقانوني القائم في الحرم الشريف.
وبينما يواصل الاحتلال استخدام "سياسة القبضة الحديدية" ضد المقدسيين، يتضح أن الهدف يتجاوز الجوانب الأمنية إلى محاولة كسر إرادة السكان الأصليين والسيطرة على مفاتيح المدينة المقدسة. لكن رغم القمع والاعتقالات والاقتحامات، ما زال الفلسطينيون يؤكدون تمسّكهم بأرضهم ومقدساتهم، في مواجهة مشروع استيطاني يسعى إلى مصادرة التاريخ والجغرافيا معًا.