يستمر سجن "بدر 3" في مصر في إثارة قلق حقوقي واسع، بعد توالي التقارير التي تكشف عن انتهاكات جسيمة وأوضاع إنسانية متدهورة تطال السجناء السياسيين
أحدث هذه التقارير، الصادر عن مركز الشهاب لحقوق الإنسان، ألقى الضوء على موجة من محاولات الانتحار والإضرابات عن الطعام داخل السجن، في مشهد يعكس عمق حالة اليأس بين المحتجزين، ويطرح تساؤلات جدية حول مسؤولية السلطات المصرية عن هذه الأوضاع التي تُوصف بأنها تهديد مباشر لحياة المئات
 

محاولات انتحار متكررة تعكس اليأس
التقرير الحقوقي وثّق سلسلة أحداث صادمة في القطاع 2 من سجن بدر 3 خلال النصف الأول من أغسطس الماضي
ففي الثالث من الشهر، حاول الطبيب الجراح سيد هيكل الانتحار داخل زنزانته، تلاه في اليوم التالي كل من أمين الصيرفي، ومحمد سعيد مرسي (ابن شقيق الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي)، وعبد الله شحاتة بمحاولات مشابهة
وفي السادس من الشهر نفسه، أقدم السجين السياسي أسعد الشيخة على ابتلاع كمية كبيرة من الأدوية بعد مشادة مع ضباط الأمن الوطني، ما أدى إلى تدهور خطير في حالته الصحية
وبحلول العاشر من أغسطس، ارتفع عدد محاولات الانتحار إلى 16 حالة، من بينها تكرار بعض السجناء لمحاولاتهم، مثل خليل العقيد الذي قطع شرايين يده واستدعى الأمر رتقها بـ36 غرزة
لكن بدلاً من تقديم العلاج، نقلته إدارة السجن إلى زنزانة التأديب، في إجراء وصفه التقرير بأنه عقابي وغير إنساني
 

حرمان من الرعاية الطبية وتصعيد أمني
إلى جانب تزايد حالات الإضراب عن الطعام والانتحار، تضمن تقرير مركز الشهاب تفاصيل عن حملة تفتيش مشددة جرت في 11 أغسطس، صودرت خلالها كافة المقتنيات الشخصية للسجناء
وأخطر ما ورد هو شهادة عن ضابط في الأمن الوطني أكد للسجناء أن هناك "تعليمات من رئاسة الجمهورية بعدم نقل أي حالة حرجة إلى المركز الطبي، منعاً لتسريب الأخبار للإعلام"
ما يكشف، بحسب التقرير، أن إدارة الملف تتم من أعلى المستويات السياسية
كما تعرّض عدد من السجناء للتهديد المباشر، إذ هدد أحد الضباط السجين محمد أبو هريرة بالنقل إلى سجن "الوادي الجديد"، محذراً من أنه "قد يموت هناك قضاءً وقدراً من دون أن يعرف أحد بأمره"
هذه الشهادات أثارت مخاوف مضاعفة من أن تتحول السياسات العقابية داخل "بدر 3" إلى وسيلة لإسكات الأصوات، ولو على حساب حياة السجناء
 

تدهور صحي لقيادات بارزة
الأوضاع داخل السجن لم تقتصر على الانتهاكات الإدارية والأمنية، بل انعكست أيضاً على الحالة الصحية لعدد من السجناء البارزين
فقد كشف التقرير عن سقوط محمد البلتاجي مغشياً عليه ونقله إلى المستشفى، في حين يواصل القيادي أحمد عارف إضرابه عن الطعام، رافضاً التراجع إلا بعد زيارة لجنة حقوقية مستقلة
كما تدهورت صحة كل من باسم عودة، وخالد الأزهري، ومحمد سعد عليوة، وأسامة ياسين، بالإضافة إلى استمرار معاناة أمين الصيرفي، الذي يواجه تدهوراً حاداً في حالته الصحية، فضلاً عن تهديدات طاولت أسرته
ومنذ 12 أغسطس، فرضت إدارة السجن عزلة كاملة على سجناء القطاع 2 بعد تغيير الضباط والحراس المسؤولين، لتتحول أوضاعهم إلى ما يشبه "الحصار الداخلي"
بينما يواصل 21 سجيناً إضرابهم عن الطعام حتى اللحظة، وسط غياب تام للرعاية الطبية اللازمة
 

دعوات لرقابة وتحقيق دولي
التقرير الحقوقي شدد في ختامه على ضرورة فتح تحقيق عاجل ومستقل بشأن الأوضاع داخل سجن بدر 3، والسماح للجان حقوقية ودولية بزيارته والاطلاع على حقيقة ظروف الاحتجاز
وحذر مركز الشهاب من أن استمرار هذه الانتهاكات، مقترناً بتزايد محاولات الانتحار، قد يقود إلى "كارثة إنسانية" لا يمكن احتواؤها
كما طالبت منظمات حقوقية أخرى بضرورة ممارسة ضغط دولي حقيقي على نظام قائد الانقلاب لإنهاء هذه الانتهاكات الممنهجة، وضمان توفير حقوق أساسية للسجناء، وفي مقدمتها الحق في الحياة، والرعاية الصحية، والكرامة الإنسانية

الأحداث المتصاعدة في سجن "بدر 3" لم تعد مجرد وقائع متفرقة، بل باتت مؤشراً على أزمة ممنهجة في إدارة ملف السجناء السياسيين في مصر
فمحاولات الانتحار، والإضرابات الجماعية، وما يرافقها من حرمان طبي وتعسف أمني، تشكّل جميعها صورة قاتمة عن واقع حقوق الإنسان في البلاد
وإذا لم يتم التحرك العاجل لوقف هذه الممارسات، فإن تحذيرات المنظمات الحقوقية من "انتحار جماعي" قد تتحول إلى حقيقة مأساوية، لتصبح "بدر 3" عنواناً لأخطر الانتهاكات في السجون المصرية خلال السنوات الأخيرة