في مشهد إنساني يعبّر عن عمق التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مقطعًا يظهر مجموعة من المتضامنين الإسبان الذين تركوا أعمالهم وأشغالهم اليومية ليقفوا إلى جانب فلسطين في وجه الاحتلال الصهيوني.
هؤلاء لم يترددوا في التضحية بجزء من وقتهم وأرزاقهم، معتبرين أن نصرة المظلومين واجب أخلاقي قبل أن يكون موقفًا سياسيًا.
 

الإسبان في مواجهة الاحتلال
المتضامنون الذين ظهروا في الفيديو رفعوا شعارات تدعو إلى وقف العدوان الصهيوني على غزة، ونددوا بالجرائم المرتكبة بحق المدنيين العُزّل، خاصة الأطفال والنساء.
مشهدهم أثار إعجاب رواد مواقع التواصل الذين رأوا فيه صورة مشرّفة للإنسانية في أبسط معانيها: ترك المصالح الشخصية لمساندة قضية عادلة.

هذا الموقف يعكس ما تشهده أوروبا عامة من تصاعد موجات التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين، حيث تخرج التظاهرات أسبوعيًا في مدريد وبرشلونة وغيرها من المدن الإسبانية، رغم محاولات الحكومات الغربية كبحها أو تقييدها تحت ذرائع "مكافحة معاداة السامية".
 

التناقض مع أصوات رسمية عربية
المفارقة أن هؤلاء الإسبان، الذين لا تربطهم بفلسطين أي رابطة دينية أو قومية مباشرة، أظهروا التزامًا أخلاقيًا يفوق بكثير ما صدر عن بعض الأصوات الدينية الرسمية في العالم العربي والإسلامي.
فبينما ضحى هؤلاء الأجانب بوقتهم وأعمالهم، خرج دعاة ورجال دين بارزون بتصريحات تصب عمليًا في مصلحة الاحتلال.

على سبيل المثال، وصف الشيخ عبد الرحمن السديس الأحداث بأنها "فتنة"، في تبرير غير مباشر لصمت الأنظمة وتخاذلها.
فيما ذهب الداعية صالح الرحيلي إلى أبعد من ذلك حين اعتبر نصرة غزة "خروجًا على ولي الأمر"، ما يعني شرعنة الصمت وشيطنة أي تحرك شعبي داعم للمقاومة.
أما محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، فقد وصف عملية السابع من أكتوبر بأنها "هجمات إرهابية"، متجاهلًا جذور الاحتلال والجرائم المستمرة ضد الفلسطينيين.
 

وعي الشعوب مقابل خطاب التبرير
هذه التناقضات تكشف بوضوح الفجوة بين وعي الشعوب الحرة التي تدرك معنى العدالة وتدافع عن حقوق الإنسان بلا حسابات سياسية، وبين خطاب التبرير الذي يصدر عن مؤسسات دينية مرتبطة بالسلطة، هدفها الأول خدمة السياسات الرسمية لا المبادئ الإسلامية أو الإنسانية.

في حين ينهض متضامنون أوروبيون لإدانة الاحتلال وممارساته، تُستخدم المنابر الدينية العربية لإسكات الشعوب وتزييف الوعي، عبر شيطنة المقاومة الفلسطينية وتجريم أي صوت يطالب بالحرية والكرامة.
 

غزة… عنوان كاشف
منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، أثبتت غزة أنها ليست مجرد قضية فلسطينية محلية، بل امتحان عالمي يكشف المواقف ويعري النفاق. المتضامنون الإسبان وغيرهم من شعوب العالم وقفوا في صف المظلومين، بينما تراجع بعض الرموز الدينية والإعلامية العربية إلى مواقع التخويف والتشكيك، في انسجام تام مع رغبات الأنظمة المتحالفة مع الاحتلال الصهيوني.
 

الدرس الأوضح
رسالة هؤلاء الإسبان واضحة: نصرة المظلوم ليست حكرًا على دين أو قومية أو جغرافيا، بل هي واجب إنساني عالمي. أما المواقف الرسمية العربية التي تسعى إلى إضعاف التعاطف مع غزة، فهي لا تعبّر عن الضمير الشعبي، بل عن حسابات سياسية ضيقة تتناقض مع القيم التي يُفترض أن تدافع عنها.

وما بين مواقف المتضامنين الإسبان الذين تركوا أعمالهم نصرة لفلسطين، وتصريحات رجال دين يبررون الصمت والتخاذل، يظهر المشهد بأوضح صوره: الشعوب الحرة، حتى لو كانت بعيدة جغرافيًا وثقافيًا، أقرب إلى فلسطين من بعض الأصوات التي يُفترض قيادتها للضمير الإسلامي. وهنا تتجلى المفارقة الكبرى: من وقف إلى جانب غزة ودماء أطفالها هم أناس عاديون من أوروبا، بينما بعض من يُفترض أن يكونوا "حراس العقيدة" اختاروا الاصطفاف مع المحتل وتبرير جرائمه.