شهدت محافظة الجيزة منذ مساء السبت 26 يوليو 2025 موجة انقطاعات موسعة للكهرباء والمياه شملت مناطق حيوية مثل العمرانية، وفيصل، والهرم، والمنيب، ومنيل شيحة، والبدرشين، والمرازيق، وامتدت إلى مناطق أخرى كـ6 أكتوبر وحدائق الأهرام.
تسببت هذه الانقطاعات في تعطل نشاط الحياة اليومية لعدد هائل من المواطنين، وتفاقمت الأزمة مع الحر الشديد، حيث تجاوزت درجات الحرارة الأربعين مئوية، وزادت الشكاوى من الأهالي في ظل غياب أي تحرك فعال من المسؤولين.
وصرح سكان من منطقة اللبيني بأنهم بقوا أكثر من 16 ساعة متواصلة دون مياه، دون أي رد من مسؤولي المحافظة أو شركة المياه.
تزامنت الانقطاعات مع تسجيل الشبكة القومية للكهرباء أعلى أحمال لها على الإطلاق في تاريخ مصر: 38,800 ميجاوات، متجاوزة الرقم القياسي للعام الماضي البالغ 38,000 ميجاوات، هذه الزيادة المفاجئة في يوم واحد تعكس حجم الضغط والارتباك الذي تعانيه المنظومة، إذ وصل الاستهلاك إلى مستويات غير مسبوقة، تحت ضغط موجة حر قاسية دفعت المصريين لتشغيل أجهزة التكييف والمبردات بلا توقف.
ولم تكن المشكلة مجرد ضغط أحمال، بل صاحبها عطل فني كبير في محطة محولات "جزيرة الدهب" الرئيسية في الجيزة، ما أدى إلى انسحاب الجهد من دائرة كهرباء رئيسية (220 ك.ف) وتسبب في توقف ضخ المياه عن أحياء بأكملها، بعض المناطق بقيت أكثر من 12 ساعة من دون كهرباء أو مياه بشكل جزئي أو كلي.
رغم تكرار الانقطاعات منذ سنوات مع بداية كل صيف، لا تزال حكومة الانقلاب تقدم وعودًا براقة؛ ففي مطلع 2025 أعلن وزير المالية عدم العودة لتخفيف الأحمال أو انقطاع الكهرباء هذا العام، متحدثًا بثقة عن "مبادرات" جديدة لتوليد الكهرباء واكتفاء ذاتي من الغاز، لكن الواقع الحالي يكشف هشاشة هذه التصريحات، حيث أقر مسؤولون بوزارة الكهرباء أن موجة الانقطاعات كشفت عن "نقاط ساخنة" ونقاط ضعف كثيرة كان يفترض علاجها في الشتاء بإصلاح الأعطال وإجراء الصيانات الدورية، إلا أن تقصير الحكومة في الاستعداد لموسم الصيف أدى إلى تفاقم الأزمة.
محطة مياه "جزيرة الدهب" تعطلت تمامًا بعد انقطاع الكهرباء، في حين ينص القانون على ضرورة وجود مولدات احتياطية للطوارئ، وهو إجراء لم يطبق في معظم الأماكن.
المحافظة وشركات الكهرباء يواصلون التبريرات حول "الأعمال الطارئة" والإصلاحات، وسط غياب خطة معلنة أو جدول زمني واضح لإعادة الخدمة بشكل دائم.
تكشف الأرقام والتصريحات أن الحكومة لم تعالج الأسباب الجذرية لهذا النوع من الأزمات؛ وتكرر سوء الصيانة وتدني كفاءة البنية التحتية الكهربائية تحديدا في الصيف رغم ضغوط المواطنين المتكررة.
ازدادت الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي التي حملت حكومة السيسي "فشلًا هيكليًا" في إدارة ملف الخدمات الأساسية، معتبرة أن موجة انقطاعات الكهرباء المتكررة ليست خطأ طارئًا بل انعكاس لسياسات خاطئة وتجاهل لتوصيات الخبراء بشأن التأهيل والصيانة.
جدل واسع يدور في الشارع حول مصير المبالغ الضخمة التي أعلنت الدولة إنفاقها على البنية التحتية، فقد أعلن زعيم الانقلاب السيسي أن إجمالي ما أنفقته حكومته على مشروعات البنية التحتية منذ 2014 تجاوز 10 تريليونات جنيه مصري (أكثر من 323 مليار دولار)، تشمل مشاريع ضخمة في الطرق والموانئ وتطوير الكهرباء والمياه.
ورغم هذه الأموال الطائلة، لا تزال البنية التحتية في أغلب المناطق تعاني من عيوب كارثية، تتجدد معها مظاهر الانهيار مع كل موجة حر أو أمطار، الاقتصاديون يرون أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع على الأرض، ويؤكدون وجود شبهات فساد وسوء توزيع للأموال، خاصة بعدما كشفت تقارير رسمية أن نسبة الصرف على التنمية (مياه، كهرباء، وصرف صحي) لم تتجاوز الثلث من إجمالي الإنفاق.
ويرى مراقبون أن أولوية البنية التحتية كانت ولا تزال شعارًا استهلك من دون إصلاح فعلي؛ إذ لا تزال الأحياء الشعبية ومدن الصعيد تعاني من هشاشة الشبكات الكهربائية والمياه، وشكاوى المواطنين تزداد يومًا بعد يوم سواء من تكرار الانقطاع أو من ضعف الخدمات وجودتها، رغم التصريحات الرسمية البراقة عن تحديث وتطوير شامل وكفاءة الاستثمارات.
أبرز السياسيون ونشطاء المجتمع المدني مشاهد انقطاع الكهرباء والمياه للتأكيد على أن نظام الانقلاب عاجز عن تلبية أبسط حقوق المصريين، متهمين حكومة السيسي بهدر المال العام والفساد وضعف الرقابة والرقابة البرلمانية، كما انتقدوا غياب الشفافية في متابعة تنفيذ المشروعات وتجاهل الاستعانة بخبراء حقيقيين لصياغة حلول دائمة للأزمات المزمنة.
يرى مراقبون أن أزمة الكهرباء والمياه الراهنة تمثل اختبارا جديدا للنظام، وتكشف عن هشاشة وارتباك في الإدارة، وتعيد إلى الواجهة الحديث حول كفاءة سياسات السلطة في إدارة الأزمات والإنفاق العام، خاصة أن الأزمة مرشحة للاستمرار والتفاقم مع الصيف القادم ما لم تتخذ خطوات جذرية حقيقية، لا ترقيعية.
النتيجة النهائية أن استمرار انقطاعات الخدمات الأساسية رغم الإنفاق الفلكي المعلن وغياب المحاسبة والرقابة يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات جوهرية عن مستقبل دولة ترفع شعار التحديث، بينما يعاني ملايين مواطنيها من العطش والظلام في صيف هو الأشد منذ سنوات.