وصلت إلى شواطئ قطاع غزة زجاجات بلاستيكية مغلقة بإحكام، تحتوي على مواد غذائية، من بينها العدس، وقد وُجدت داخل إحداها ورقة كتب عليها بخط اليد: "تحيا مصر".
روى صياد فلسطيني من غزة أنه عثر على هذه الزجاجات أثناء عمله على الشاطئ، وكلها محكمة الإغلاق وتحتوي على طعام، أُلقيت في البحر من جانب المواطنين المصريين. وأضاف الصياد، في حديثه المصور، أن هذا العمل أثار مشاعر السكان الذين يعانون من حصار خانق وأزمة إنسانية خانقة، خاصة في ظل انقطاع المساعدات وتقاعس المنفذ البري الوحيد - معبر رفح - عن أداء دوره في الإغاثة.
ما بدا في البداية أمرًا غريبًا، اتضح لاحقًا أنه مبادرة عفوية ومؤثرة انطلقت من مدينة رفح المصرية بمحافظة شمال سيناء، حيث نشر ناشطون مقاطع فيديو تظهر مجموعة من الأطفال وهم يملأون زجاجات بلاستيكية بمواد غذائية بسيطة – كالأرز والعدس والسكر – قبل أن يقوموا بإلقائها في مياه البحر الأبيض المتوسط، على أمل أن تصل إلى "أطفال غزة" على الطرف الآخر.
https://www.facebook.com/watch/?v=773744591749493
وفي فيديو آخر أكثر ألمًا وصدقًا، ظهر مواطن مصري وهو يملأ زجاجات مماثلة بالمواد الغذائية، ثم يقف على الشاطئ في صمت مطبق، ليلقي بها واحدة تلو الأخرى في البحر، مرددًا بكلمات باكية: "سامحونا"، في تعبير مرير عن شعور بالعجز تجاه ما يعانيه الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.
https://www.facebook.com/watch/?v=771956362069077
وحظيت هذه المقاطع بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها كثيرون رغم رمزيتها وبساطتها، تعبيرًا مؤلمًا عن التضامن الشعبي من أبناء سيناء وسكان مصر مع إخوتهم في غزة.
وشهدت التعليقات إشادات بمبادرة الأطفال وبالمواطن المصري الذي حمل على عاتقه إيصال رسالة غذاء وأمل، ولو عبر زجاجة قد لا تصل، لكنها وصلت فعلًا.
ومعجزة البحر حدثت؛ فبعد أيام من إلقائها، تداول نشطاء فلسطينيون مقاطع مصورة تظهر وصول عدد من الزجاجات إلى شواطئ غزة، وقد امتلأت بعضها بالماء، لكن محتوياتها لا تزال قابلة للاستخدام، وحملت الورقة ذاتها: "تحيا مصر".
https://www.facebook.com/reel/1417800706131774
https://www.facebook.com/reel/708834078818465
الرمزية في هذا الحدث لا تقل عن قوته، فالمبادرة – رغم استحالة وصولها في نظر كثيرين – عكست وجهًا آخر من وجوه التعاطف الصامت والصادق، بعيدًا عن التصريحات الرسمية والخطابات الجوفاء. كما فتحت الباب أمام تساؤلات قاسية حول سبب غلق معبر رفح أمام المساعدات، وترك أطفال غزة يترقبون الغذاء والدواء من البحر بدلًا من البر.
فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، تقف مدينة رفح المصرية على خط النار الإنساني، تتابع بألم الأصداء والدمار، وتشارك سكانها شعور القهر والمجزرة، دون أن تملك سوى المبادرات الفردية لقول: "نحن معكم".
وبينما تُمنع القوافل، وتُحتجز الشحنات، وتُغلق الأبواب في وجه المساعدات، وجد أطفال رفح وسيلة رمزية لرفض هذا الصمت، ليقولوا لأطفال غزة من خلال زجاجة: "أنتم لستم وحدكم".
https://www.instagram.com/reel/DMmggDzMzSh