تشير البيانات إلى استمرار أزمة البنية التحتية المتعلقة بالسلامة من الحرائق في مصر، خصوصًا في القاهرة الكبرى في ظل حكومة السيسي التي لا تقدم خدمات للمواطنين سوى فرض الضرائب وطرق متهالكة وبنايات منهارة وحرائق منتشرة في كل مكان. تأتي الحوادث نتيجة تواصل الأنشطة الصناعية والمنزلية الملوثة بالتقنية الرديئة، ضعف إجراءات الوقاية، والسلوكيات اليومية الخاطئة.
وشهدت محافظة الجيزة، جنوب القاهرة، مساء الجمعة، اندلاع حريق هائل بأحد المتاجر الكبرى في مدينة الشيخ زايد، ليضاف إلى سلسلة حرائق متكررة اجتاحت محافظات ومواقع عدة في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، كان أبرزها وأكثرها خطورة حريق سنترال رمسيس وسط العاصمة.
وتسببت موجة الحرائق الأخيرة في موجة استياء واسعة بين المواطنين، خاصة بعدما طالت آثارها قطاعات حيوية أثرت على مصالحهم اليومية، من بينها خدمات الاتصالات والإنترنت والمعاملات البنكية وغيرها من الخدمات المرتبطة بالبنية التحتية.
وتصدر وسم “موسم الحرائق” ووسم “حرائق مصر” قوائم الأكثر تداولاً على منصة إكس، حيث عبر المصريون عن غضبهم من تكرار هذه الحوادث، مطالبين بمحاسبة المسؤولين وتحقيق شفاف حول أسباب هذا التصاعد في كوارث الحرائق.
وبينما يظل “الماس الكهربائي” المنسوب غالبا إلى أجهزة التكييف التي تعمل ساعات طويلة في أجواء شديدة الحرارة المتهم الرئيسي في حالات الحرائق، عزا نائب برلماني وخبير إدارة محلية، أسباب تكرار الحرائق إلى ضعف إجراءات السلامة، وارتفاع درجات الحرارة.
الإهمال والتغير المناخي
وجَّه أعضاء في مجلس النواب ومواطنون اتهامات لحكومة السيسي بالتقصير والإهمال، وبطء الاستجابة، بعد تكرار سيناريوهات الأزمات، دون استعداد كاف أو إجراءات أمن استباقية لتجنب الكوارث.
فمن حادث الطريق الإقليمي، وصولا إلى حريق سنترال رمسيس، وحرائق أخرى، بدت كثير من المنشآت الحيوية العامة في حالة ضعف في كفاءة منظومة السلامة، وخطط الطوارئ، وسرعة التنسيق بين الجهات المعنية.
ورغم تأكيد رئيس وزراء حكومة السيسي مصطفى مدبولي أهمية سرعة الانتهاء من مختلف الأعمال والخطوات التي من شأنها أن تضمن عودة مختلف الخدمات المقدمة من خلال سنترال رمسيس، رأى النائب عبد المنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ورئيس حزب العدل، أن “تكرار تلك الحوادث المؤسفة هو إهمال واضح في إجراءات الحماية المدنية وتجاوز مستمر لإجراءات السلامة”.
وأضاف إمام، أن العامل الثاني المسبب لظاهرة الحرائق هو التغير المناخي، لافتا إلى أن “مصر تشهد درجات حرارة شديدة جدا منذ نحو عامين، تزيد فرص اشتعال الحرائق في ظل وجود أسطح وأفنية أبنية حكومية أو أهلية مليئة بالنفايات والأخشاب، تمثل كتلة جاهزة للاشتعال السريع متسببة في حرائق ضخمة بمجرد إلقاء سيجارة عليها أو تعرُّضها لماس كهربائي”، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".
موسم الحرائق
مع الحرائق المتكررة وتعطل الخدمات، عبَّر مصريون عن استيائهم من “ضعف” خطط مواجهة الأزمات واتخاذ احتياطات السلامة اللازمة في المنشآت الحكومية، وعبَّروا عن ذلك من خلال تفاعل واسع على وسم “موسم الحرائق” على منصة إكس.
وتداول ناشطون تفاعلوا على الوسم مقاطع فيديو وصورا لحرائق توالت خلال أيام بمحافظات عدة، بينها حريق “مول دبي” في محافظة الجيزة، وحريق في مخازن ورش السكك الحديدية في مدينة الزقازيق بدلتا مصر، وحريق بفندق “سوفيتل” بوسط القاهرة، وحريقان في محافظة الإسكندرية، أحدهما في أحد مخازن الخردة وآخر بمطعم على طريق الكورنيش بمنطقة سيدي بشر، وحريق آخر في مصنع بمدينة دمياط الجديدة شمالي مصر.
حرائق عام 2025: حصيلة مرعبة
شهدت مصر أكثر من 46,900 حادثة حريق في عام 2024، منها نسبة كبيرة استمرت خلال عام 2025 بنمط مماثل تُظهر دراسة رسمية.
كانت نسبة الحرائق في المباني السكنية نحو 38%، بينما حدثت قرابة 39% منها في الأماكن المفتوحة، مثل مكبات القمامة والأراضي الخالية .
جاءت القاهرة في الصدارة بعدد الحرائق (حوالي 6,300 حادثة)، تليها الغربية والمنوفية.
أبرز الحوادث وأكثرها وقعًا
- حريق سنترال رمسيس في القاهرة (7 يوليو): تسبب في مقتل 4 موظفين وإصابة 27 آخرين، كما أدى لانقطاع الاتصالات بنسبة 62% على مستوى البلاد.
- حريق الأتّاتبا بمحافظة القاهرة: اندلع في ستة طوابق وشمل 238 متجرًا، وأدى إلى خسائر مادية تُقدّر بنحو 400 مليون جنيه، مع سقوط 3 قتلى و91 مصابًا، وفقًا لصحيفة "الأهرام".
- حوادث متكررة في محافظات أخرى كالشرقية والمنيا وقنا وسوهاج، نتج عنها وفيات وإصابات نتيجة أعطال كهربائية أو أعطال صناعية.
- بلغ إجمالي الحوادث التقريبي منذ منتصف 2022 وحتى منتصف 2025 حوالي 304 حادثة حريق في الطريق الإقليمي وحده .
- في عام 2024، سجلت 45,435 حادثة حريق بانخفاض 7.9% مقارنة بعام 2022، بينما ما زالت 2025 تُسجل أرقامًا مرتفعة وفقًا لنمط البيانات.
غياب المحافظين
أشار خبراء إلى أن من بين أسباب تكرار الحرائق وجود فجوة كبيرة بين عدد مفتشي السلامة والصحة المهنية والمنشآت الحكومية والخاصة، بسبب عدم تفعيل القانون وبشكل خاص قانون الإدارة المحلية.
وأوضح الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية وخبير شؤون البلديات الدولية، أنه “طبقا لقانون الإدارة المحلية في مصر رقم 43 لعام 1979 المادة 25 في أول بنودها، فإن المحافظين مطالبون بالتنسيق واتخاذ القرارات البديلة في حالة الأزمات التي تخص عامة المواطنين ومنها الحرائق، ولكن عمليا في الواقع لم نر أي دور لأغلبية المحافظين في إدارة الأزمات”.
وأضاف أن ما وقع في الحرائق الأخيرة أن المحافظات اكتفت بتلقي غرفة العمليات بدواوين عموم المحافظات لبلاغات وقوع الحرائق، متسائلا عن أسباب عدم تفعيل صلاحيات المحافظين طبقا للقانون، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تعديل القانون للتغلب على عيوب المركزية وعدم التنسيق وغياب الشفافية والمسؤولية وتداخل الاختصاصات.
أكواد بناء متهالكة وإجراءات غائبة
في خضم تصاعد الحرائق في مصر، شدد النائب البرلماني عبد المنعم إمام على ضرورة التحرك العاجل على مستويين: إجراءات سريعة لتدارك الخلل الحالي، وخطط استراتيجية لإصلاح جذري طويل الأمد.
وأوضح إمام أن من الأولويات الفورية التي يجب على الحكومة تنفيذها، إجراء مراجعة شاملة لإجراءات السلامة والحماية المدنية، خاصة فيما يتعلق بالمباني الحكومية، مع التركيز على الأسطح والأفنية المهملة التي تشكل بؤرا خطرة. وطالب بسرعة إصدار كتاب دوري يُعمم على كافة المصالح الحكومية لتشديد التزامها باشتراطات الحماية المدنية وتفعيل خطط الطوارئ، وإصلاح منظومات الإطفاء، مع اعتماد تكنولوجيا الإطفاء الذاتي وتعميمها في المنشآت المختلفة.
وفي رؤيته للحل الجذري، أشار إمام إلى أن كود البناء المصري بات قديما ولا يلائم تحديات التغير المناخي، مطالباً بمراجعة شاملة وإقرار قانون بناء جديد يأخذ في الاعتبار تصاعد درجات الحرارة والظروف المناخية المستجدة.
من جانبه، شدد خبير الإدارة المحلية الدكتور حمدي عرفة على حتمية تطبيق منظومة إدارة الأزمات، بدءاً من التنبؤ بالمخاطر، ومروراً بوضع خطط استباقية بديلة قبل وقوع الكوارث، وحتى إعداد سيناريوهات دقيقة للتعامل مع أي حريق مستقبلي لتجنب تكرار الكوارث.
وأكد عرفة على ضرورة فرض أنظمة إنذار مبكر إلزامية في كافة المنشآت الحيوية، خاصة مراكز البنية التحتية الحساسة مثل سنترال رمسيس، مشيراً إلى أن التراخي في تلك الإجراءات يفاقم من حجم الكارثة ويعرض أرواح المواطنين للخطر.