04/01/2009
قرأتُ في أهرام 3-1-2009 ، ما صرح به سيادة الرئيس مبارك في مؤتمرٍ صحفي ، حيث قال " المحتل هو الذي يسيطر علي المعابر ويتحكم في حركة الدخول والخروج ، ولا داعي لخداع الرأي العام " ، و أضاف سيادته " إننا نفتح معبر رفح للحالات الإنسانية ، ونُخطر إسرائيل قبل المرور ، حتي لا يُساء الفهم ، أو يَزعموا أننا نسمح بدخول أسلحة أو ذخائر أو ممنوعات " .. .. فجلستُ أتأمل الكلمات ، حتي دخل عليَّ صديقٌ مشاغبٌ بطبعه ، و وجدني ساهماً ، و أمامي صفحة الجريدة التي بها التصريحات ، فتبسَّم في غير براءة ، و قال " ابسط يا عمّ " ، ها هو الرئيس قد وضع النقاط فوق الحروف ، و نقل مسئولية المعابر كاملةً لقوات الاحتلال ، فكل مُحتلٍّ مسئولٌ عمَّا احتل ، ربنا سوف يحاسبه هو ، إنْ فرض الحصار أو نشر الدمار أو أغلق المعابر أو فتح المسار .. ، يتحمل هو المسئولية كاملة ، لسنا نحن الذين قمنا باحتلال فلسطين حتي تُصَدِّع رأسك كل يوم بضرورة فتح المعبر و طرد السفير و ... ، الذي يحتل البلاد هو المسئول ، أيحتل هو بلداً ثم نُسأل نحن عن معابرها ؟! ، .. ثم إن العدو يضع كما قال الرئيس كاميرات لمراقبة الداخل إلي غزة ، و يضعها عن بعد ، مراعاةً لمشاعر العابرين ، فماذا يكون موقفنا لو كان فيها أسلحة !! ، كما أن الرئيس قال لقد ضحَّت مصر كثيرا من قبل ، و إلي الآن ها نحن نتوسط لدي اليهود الذين لهم حق السيطرة علي المعابر في أن تمر الحالات الإنسانية للعلاج و بعض عينات الإغاثة ، ثم ألم تستمع إلي المناشدة و المطالبة للفريقين هذا بكف العدوان و ذاك بالتهدئة ، ماذا تريد من مصرَ بعد ذلك ، أتريدُ أن تزايد أنت أيضاً علي موقف مصر ؟ ، .. ثم جلس غيرَ بعيد ، و صوَّب النظر نحوي ، محاولاً التلصص عما يعتمل في نفسي ، و في عينيه لمعان لا تخفي عليَّ دلالته ، .. قلتُ له كلام سيادة الرئيس ذكَّرني بكلام رئيس الوزراء ، عندما سُئل من طلبة الجامعة عن سر تصدير الغاز للكيان الصهيوني بثمن بخس ، فأجاب بقوله بأن سيناء كانت تحت الاحتلال منهم ، و أي شيء يأتينا منهم أفضل من عدمه ، كما أننا نكسب أنهم أصبحوا يعتمدون علينا ، .. قال صديقي و ما هو الرابط بين التصريحين ، قلت الرابط هو الغموض و تلك الفجوة الكبيرة بين كلا التصريحين و بين رغبات الناس و مشاعرهم ، فقال نعم ، هذا لأن الرأي العام مخدوعٌ كما صرح الرئيس ، قلتُ له تخيل لو أننا أثناء احتلال سيناء من قبل اليهود في الفترة ما بين 1967 إلي 1973 ، و عندما كان الفدائيون من قواتنا المسلحة الباسلة يعبرون إلي سيناء لينفذوا عملياتهم الفدائية ، فوجدوا من يقول لهم إن قناة السويس هي الحدود أو المعبر الذي بيننا و بين قوات الاحتلال ، و لا يجوز لنا عبورها إلا بإذن الاحتلال لأنه هو الذي يتحكم فيها ، لأنه هو المحتل لها ، فهل يسوغ هذا التبرير ، قال لا طبعاً ، و لكن حماس هي التي رفضت التهدئة ، و صمَّمت علي إطلاق الصواريخ التي لا جدوي لها ، و أعطت مبرراً للعدوان عليها ، قلتُ له و لماذا يغتاظون طالما أن الصواريخ لا جدوي لها ؟ ، و لماذا كانت مجازرهم و مذابحهم قبل وجود حماس و صواريخ حماس ؟ ، و اسمح لي أن أذكِّرَك ببعض تصريحات قادتهم ، فمنهم إسحاق رابين رئيس وزراء الاحتلال السابق الذي قال " أتمنى أن أصحوَ يوماً لأجدَ غزة في قاع البحر! " ، و منهم السفاح شارون ، الذي يعترف عام 1956 ، و قبل ظهور صواريخ القسام بحوالي خمسين عاما ، و يقول " لا أعرف شيئاً اسمه القانون الدولي ، لقد نذرتُ أن أحرق كل طفلٍ فلسطيني يولد في هذه المنطقة ، إن نساء و أطفال المسلمين أخطر من رجالهم ، الأطفال يعنون مزيدا من الأجيال القادمة للفلسطينيين ، بينما الرجال يشكلون خطرا محدوداً ينتهي بموتهم ، لقد أقسمت قبل التحاقي بالجيش أن أحرق كل فلسطيني أقابله ، لقد قتلت 750 فلسطينيا في رفح في عملية واحدة ، و ليس لأحد أن يملي علينا ما ينبغي فعله أو تركه ، إنما نحن الذين نملي علي الغير ما ينبغي فعله " ، ثم أضاف " أتعهد بأنيحتى لو فقدت كل المناصب ، وأصبحت مواطنا إسرائيليا عاديا ، فإنني سأحرق كل فلسطينيأقابله في الطريق ، وسأجعله يعاني و يتعذب قبل أن يموت " ، و انظر إلي عجائب العبر في جملته الأخيرة لمن أراد أن يعتبر ، إنني يعزُّ عليَّ ضراوة تصريحاتهم و طراوة تصريحاتنا ، إنني يا صديقي حريصٌ علي رئيس بلدي ، و أحب أن يكون من خاتمة أعماله مواقف تسرُّ الصديق و تغيظ العدو ، و تسرُّ خاطر هذا الشعب الطيب ، و عزَّ عليَّ ما سمعته منه ، و عز عليَّ أيضا أني سمعت باعتقال مئات المتظاهرين من أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس يوم الجمعة 2 - 1 ، كانوا يتظاهرون لصالح أهل غزة ، .. قال صديقي ما رأيك في مشروبٍ دافئ في هذا الجو البارد .. ، قلت لا بأس ، و ندعو لأهل غزةَ ، الذين يلاقون البرد مع الجوع مع الخوف إضافةً إلي الجراح الغائرة من ألم الخذلان و آثار العدوان .

