في حلقة جديدة من مسلسل "خداع البسطاء" الذي تتقنه حكومة الانقلاب باحترافية، استبشر آلاف المعلمين خيراً بقرار صرف حافز إضافي بقيمة 1000 جنيه، والذي رُوج له في الإعلام كـ"مكرمة رئاسية" لدعم بناة الأجيال في مواجهة غلاء المعيشة الفاحش. لكن سرعان ما تكشفت الحقيقة المرة؛ فالحافز الذي ساقه النظام كـ"طوق نجاة"، حولته وزارة التربية والتعليم إلى "قيد حديدي" وسوط مسلط على رقاب المعلمين، عبر وضع شروط تعجيزية تجعل الحصول عليه أشبه بالمستحيل، مما يؤكد أن الهدف الحقيقي ليس "التقدير" بل "الإذلال" والسيطرة.

 

شروط "تعجيزية".. الحافز لمن لا يمرض ولا يموت

 

التعليمات الصادرة للمديريات في الجيزة والهرم وشبرا ، والتي اشترطت عدم غياب المعلم نهائياً خلال شهر الاستحقاق، أو ألا تقل أيام العمل الفعلية عن 18 يوماً للحصول على الحافز كاملاً، هي ترجمة حرفية لسياسة "العمل بالسخرة". فكيف يعقل أن يُحرم معلم من حافزه لمجرد أنه مرض يوماً أو تعرض لظرف طارئ؟

 

هذه الشروط تعني عملياً أن المعلم عليه أن يتحول إلى "آلة" لا تتعب ولا تمرض ولا تغيب، وإلا فإن العقاب جاهز: الحرمان من الحافز. إنها رسالة واضحة من الوزارة: "لن تأخذوا مليماً إلا بشق الأنفس". النظام الذي يبدد المليارات في مشروعات وهمية، يستكثر على المعلم ألف جنيه (لا تساوي 20 دولاراً) إلا إذا دفع ثمنها من صحته وكرامته.

 

"الخصم" قبل "الصرف".. سرقة مقنعة

 

لم تكتفِ الوزارة بشروط الحضور، بل وضعت بنداً كارثياً ينص على أن الحافز مرتبط بـ"تقدير الكفاية" بمرتبة كفء، وأنه في حال حصول المعلم على تقدير "فوق المتوسط" يخصم 50% من قيمة الحافز. هذا البند يفتح الباب واسعاً للمحسوبية وتصفية الحسابات؛ فمدير المدرسة أو الموجه أصبح بيده "سلاح مالي" يهدد به أي معلم لا يرضخ لأوامره، مما يحول المدارس إلى "ثكنات" يسودها الخوف والنفاق بدلاً من التربية والتعليم.

 

أما اشتراط عدم توقيع أي جزاء تأديبى بخصم أكثر من 5 أيام ، فهو تأكيد على أن الحافز ليس حقاً مكتسباً مقابل العمل، بل هو "مكافأة حسن سير وسلوك" تمنح للمطيعين فقط.

 

حافز "مؤقت" لامتصاص الغضب

 

الأخطر في هذا القرار هو "توقيته" و"مدته". الحافز ليس زيادة دائمة في الراتب الأساسي، بل هو "منحة مؤقتة" تصرف لمدة 8 أشهر فقط (من نوفمبر 2025 حتى يونيو 2026). هذا يعني أن المعلم سيعود لنقطة الصفر بمجرد انتهاء العام الدراسي. إنها "مسكنات" لا تعالج أصل الداء المتمثل في تدني الأجور، بل تهدف فقط لامتصاص غضب المعلمين وشراء صمتهم خلال فترة الدراسة، ثم التخلي عنهم في الإجازة الصيفية.

 

تلاعب بالألفاظ.. الألف جنيه ليست ألفاً

 

حتى الـ 1000 جنيه التي يتغنون بها ليست صافية؛ فبعد خصم الضرائب والاستقطاعات (التي تصل لـ 20% أو أكثر)، لن يتبقى للمعلم سوى الفتات. الحكومة تعطي باليمين وتأخذ بالشمال، وتستخدم الأرقام الكبيرة في الإعلام (1000 جنيه) للتسويق السياسي، بينما الواقع في كشوف المرتبات مختلف تماماً.

 

الخلاصة: حكومة تحتقر المعلم

 

ما يحدث في ملف حافز المعلمين هو وصمة عار في جبين حكومة تدعي أنها تبني "الإنسان". المعلم الذي يفترض أن يكون "رسولاً" للعلم، يتم التعامل معه كـ"متسول" يجب عليه استجداء حقه، وكـ"متهم" يجب مراقبته وحرمانه عند أدنى هفوة.

 

إن اشتراط عدم الغياب نهائياً للحصول على حافز هزيل في ظل ظروف اقتصادية طاحنة، هو دليل على أن هذا النظام لا يرى في المعلمين سوى "أرقام" في ميزانية يريد تقليصها، وليس "بشراً" يحملون أمانة المستقبل. المعلمون في الجيزة وشبرا وكل مصر لا يطلبون "صدقة"، بل يطلبون أجرهم العادل الذي يحفظ كرامتهم، بعيداً عن "ألاعيب" الوزارة وشروطها المذلة.