في وقت تتزايد فيه معاناة المصريين من ارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية، ونقص الدعم للفئات الأكثر هشاشة، تتجه الحكومة المصرية لإنفاق 80 مليون دولار من أموال الدولة لإنشاء ميناء سياحي لليخوت الفاخرة بمدينة العلمين الجديدة. مشروع يطرح تساؤلات حقيقية حول أولويات النظام، ويؤكد مرة أخرى أن الفقراء لا مكان لهم في حسابات السلطة، التي تبدو منشغلة فقط بـ"رفاهية الأغنياء"، بينما ملايين المواطنين لا يجدون من "يحنو عليهم".
ميناء لليخوت... وفقراء بلا موانئ نجاة
تخطط الحكومة لإنشاء ميناء دولي لليخوت والسفن الفاخرة على مساحة 180 ألف متر مربع في العلمين الجديدة، لتتحول المدينة إلى "وجهة نخبوية" على حساب موازنة الدولة.
يُقال إن المشروع سيجعل مصر مركزًا لسياحة اليخوت في المنطقة. لكن في المقابل، ملايين المصريين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو السكن أو حتى العلاج. أين العدالة في إنفاق هذا المبلغ الضخم لخدمة بضعة مئات من الأثرياء، بينما الفقراء يُتركون لمصيرهم في العشوائيات، والمناطق المنسية؟
القطاع الخاص يدير... والدولة تدفع!
بحسب ما تم الإعلان عنه، فإن القطاع الخاص سيتولى إدارة وتشغيل الميناء، بل وسيُموّل أعمال البنية الفوقية، بينما تتحمل الدولة البنية التحتية، أي الجزء الأكثر كلفة وتعقيدًا.
ببساطة: تدفع الدولة من أموال الشعب لتسهيل أعمال المستثمرين الأثرياء، ثم تُسلّمهم المشروع على طبق من ذهب. هذه ليست شراكة، بل عملية نقل للثروة العامة إلى جيوب النخبة تحت غطاء "الاستثمار" و"الاستراتيجية السياحية".
سياحة النخبة... لا تعني تنمية حقيقية
الحكومة تروّج بأن المشروع سيساهم في تنويع مصادر الدخل، لكن الأرقام تكشف أن العوائد من "سياحة اليخوت" لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من إجمالي الدخل السياحي.
ففي بلد يعيش فيه أكثر من 60 مليون شخص تحت خط الفقر، ويفتقر فيه ملايين المواطنين إلى خدمات المياه النقية والصرف الصحي، يصبح الحديث عن مارينا لليخوت ترفًا فجًّا، لا علاقة له بالتنمية المتوازنة، بل هو جزء من مشروع "المدن للصفوة... والفقر للجميع" الذي تنتهجه الحكومة منذ سنوات.
العلمين: مدينة للفئة المختارة فقط
مدينة العلمين الجديدة أصبحت الرمز الأوضح لتحول الدولة إلى "مطور عقاري" لا يهتم سوى ببناء المنتجعات والمباني الفاخرة التي لا يقدر المواطن العادي حتى على دخولها.
المدينة، التي تمتد على مساحة 48 ألف فدان، تحولت إلى مساحة مغلقة، مُصمّمة للنخبة، مدعومة من موازنة الدولة، بينما تُترك المحافظات الأخرى تغرق في البيروقراطية والإهمال، وتُخنق المدن التاريخية بمشاريع غير مدروسة أو بهدم متواصل للمساحات الخضراء والمباني الأثرية.
فقراء الوطن: خارج الحسابات دائمًا
الحكومة التي تخصص 80 مليون دولار لميناء يخدم الأثرياء، لم تخصص حتى جزءًا بسيطًا من هذا المبلغ لتطوير المدارس الحكومية، أو المستشفيات التي تنهار تحت وطأة الإهمال، أو دعم النقل العام في المحافظات الفقيرة.
الفقراء في مصر اليوم يدفعون ضريبة الغلاء، وضريبة الضرائب غير المباشرة، ويُطلب منهم "الصبر"، بينما الأموال العامة تُنفق في مشاريع لا تعود عليهم بأي فائدة تُذكر.
وأخيرا فإن إنشاء ميناء سياحي لليخوت بتكلفة 80 مليون دولار في ظل هذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي، ليس مشروعًا تنمويًا بل فضيحة سياسية وأخلاقية.
هو دليل صارخ على أن الحكومة لا تدير الدولة من أجل شعبها، بل من أجل قلة محظوظة من المستثمرين ورجال الأعمال والأجانب الباحثين عن الرفاهية، في بلد يبحث فيه الملايين عن الرغيف والدواء والمأوى.
فأي حكومة تلك التي تنفق على رفاهية النخبة، بينما تترك شعبها يغرق في الفقر؟
وأي مستقبل يُبنى على إقصاء الأغلبية، وخدمة الأقلية؟
الجواب واضح: لا تنمية حقيقية دون عدالة اجتماعية. ولا شرعية حقيقية في ظل هذا الانحياز الفج للأغنياء على حساب الفقراء.

