لم تكن جريمة مدرسة "سيدز" الدولية بالعبور مجرد حادث عابر أو انحراف فردي كما يحاول النظام تصويره، بل كانت "لحظة مكاشفة" مروعة أسقطت ورقة التوت عن دولة باتت فيها الطفولة مستباحة، والأمن غائبًا إلا عن قمع المعارضين. في قلب مدرسة تحمل اسم "بذور"، زُرعت بذور الجحيم في أجساد أطفال لم يتجاوزوا الخامسة، ليواجهوا وحوشًا بشرية استدرجوهم لغرف مظلمة، ومارسوا عليهم سادية لا يتخيلها عقل، تحت سمع وبصر إدارة تعليمية ونظام سياسي مشغول ببناء السجون أكثر من بناء العقول.
مدرسة "الرجل الخفي".. من يحمي وكر الجريمة؟
المفارقة الصادمة التي كشفتها التحقيقات هي الغموض المريب حول ملكية هذه المدرسة. كيف يمكن لمنشأة تعليمية دولية أن تعمل بلا "رأس" معروف؟ وكيف يختفي أصحابها من المشهد تمامًا ليُقدم العمال البسطاء كأكباش فداء؟
هذا "الإخفاء العمدي" للمسؤول الحقيقي يثير شكوكًا مرعبة بأننا لسنا أمام إهمال إداري، بل أمام شبكة نفوذ تحتمي بالسلطة. فالمعلومات المتداولة عن عودة أحد المتهمين للعمل بعد فصله سابقًا في واقعة مشابهة ، تؤكد أن الإدارة كانت تعلم، وأن هناك "ضوءًا أخضر" خفيًا سمح باستمرار هذه المهازل. هل يعقل أن تكون مدرسة للأطفال واجهة لأعمال مشبوهة تدر الملايين عبر "الدارك ويب"؟ سؤال يفرض نفسه عندما نسمع عن تفاصيل التكميم والربط بالحبال واستخدام الأقنعة، وهي طقوس تتجاوز التحرش العادي لتلامس عالم الجريمة المنظمة.
ياسين و"سيدز".. خيط واحد في نسيج القهر
جريمة "سيدز" ليست معزولة عن مأساة الطفل ياسين، الذي قتلت براءته مرتين: مرة بيد الجاني، ومرة بيد قضاء مسيس خفف العقوبة بشكل مستفز. الرابط بين الجريمتين هو "استرخاص الإنسان" في دولة العسكر. النظام الذي يرى في المواطن مجرد رقم، لا يبالي إن تم انتهاك طفله أو قتله، طالما أن الكرسي آمن.
هذا التسلسل من الانتهاكات، الذي يبدأ من "كي جي" وينتهي في الزنازين، يكشف عن "نسق" مرعب؛ وكأن هناك خطة ممنهجة لإنتاج جيل "مكسور"، فاقد للحدود النفسية، يسهل قياده وتطويعه. طفل يُغتصب اليوم، هو شاب سيعجز غدًا عن المطالبة بحقه، لأنه تعلم في سن مبكرة أن جسده ليس ملكه، وأن الحماية كذبة.
"الاغتيال المعنوي".. سلاح الدولة ضد المجتمع
ما يحدث هو اغتيال معنوي لشعب كامل. النظام الذي فشل في "تغريب" المجتمع عبر الدراما والإعلام، يبدو أنه لجأ للخطة البديلة: "الصدمة والترويع". ترك المجتمع فريسة للتحرش والبلطجة والمخدرات ليس عجزًا أمنيًا، بل هو "استثمار سياسي" في الفوضى.
فالمواطن الخائف على عرض أطفاله، المشغول بتأمين لقمة العيش، المهان في طوابير الخدمات، لن يفكر في الحرية أو الديمقراطية. إنه "ترويض بالرعب"، حيث تصبح أقصى أماني المواطن أن يعود طفله سليمًا من المدرسة، متناسيًا حقوقه السياسية والاقتصادية المسلوبة.
وطن بلا سقف
جريمة "سيدز" هي جرس إنذار أخير. نحن نعيش في "دولة لا ترى"، لأنها لا تريد أن ترى. النظام الذي يمتلك أجهزة أمنية تحصي أنفاس المعارضين، يعجز "فجأة" عن مراقبة مدرسة أو حماية طفل!
الحقيقة المرة أننا أمام سلطة لا تحمي، وقضاء لا ينصف، ومجتمع يُدفع دفعًا نحو الهاوية. فمن سيحمي أطفالنا عندما يكون "حاميها حراميها"، وعندما تصبح المدارس أوكارًا للذئاب، والوطن مجرد "مسرح جريمة" كبير، الضحية فيه دائمًا هو الشعب، والجاني دائمًا "مجهول" أو محمي فوق القانون؟

