في خطوة غير معتادة، قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذارًا رسميًا لنظيره القطري عن التصريحات والهجوم الإعلامي الذي شنّه مسؤولون إسرائيليون في الأسابيع الماضية ضد الدوحة، في سياق اتهامها بـ"تغذية نفوذ حماس" وعرقلة بعض مسارات التفاوض. هذا الاعتذار المفاجئ فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات عن أسبابه الحقيقية وتداعياته، خصوصًا في ظل التعقيدات التي يشهدها المشهد الإقليمي، والدور المحوري الذي تلعبه قطر كوسيط في ملفات حساسة.
ضغوط أمريكية
كشف البيت الأبيض، الإثنين، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعرب لرئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن "أسفه العميق" لانتهاك السيادة القطرية ومقتل جندي قطري في الهجوم الصاروخي، الذي استهدف قادة حماس في الدوحة.
وقال البيت الأبيض في بيان: "أجرى الرئيس دونالد ترامب اليوم اتصالا هاتفيا ثلاثيا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني".
وتابع: "أعرب الرئيس عن رغبته في إعادة العلاقات الإسرائيلية القطرية إلى مسار إيجابي بعد سنوات من الخلافات وسوء الفهم المتبادل".
وأكمل: "قبل القادة اقتراح الرئيس بإنشاء آلية ثلاثية لتعزيز التنسيق، وتحسين التواصل، وتسوية الخلافات، وتعزيز الجهود الجماعية لمنع التهديدات. وأكدوا التزامهم المشترك بالعمل معاً بشكل بنّاء وتصحيح المفاهيم الخاطئة، مع البناء على العلاقات الطويلة الأمد التي تربطهم بالولايات المتحدة".
وأضاف البيت الأبيض: "كخطوة أولى، أعرب رئيس الوزراء نتنياهو عن أسفه العميق لقتل جندي قطري عن غير قصد في الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على أهداف تابعة لحماس في قطر".
وتابع: "كما أعرب عن أسفه لانتهاك إسرائيل السيادة القطرية باستهدافها قيادة حماس خلال مفاوضات تحرير الرهائن، مؤكداً أنها لن تشن مثل هذا الهجوم مرة أخرى في المستقبل".
وبحسب البيان: "رحّب رئيس الوزراء القطري بهذه الضمانات، مؤكدًا استعداد قطر لمواصلة المساهمة الفعّالة في الأمن والاستقرار الإقليميين. وأعرب رئيس الوزراء نتنياهو عن التزامه بالمثل".
كما ناقش الزعيمان، بحسب البيان "مقترحًا لإنهاء الحرب في غزة، وآفاق شرق أوسط أكثر أمنًا، والحاجة إلى مزيد من التفاهم بين بلديهما".
وكان مراسل موقع "أكسيوس" الأميركي أفاد، الإثنين، بأن نتنياهو تحدث هاتفيا مع رئيس وزراء قطر واعتذر عن المساس بسيادة قطر في الهجوم على الدوحة.
وأعرب نتنياهو عن أسفه لمقتل ضابط أمن قطري في الهجوم، وذلك بحسب مصدر مطلع على التفاصيل.
وأكد مصدر مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي نبأ الاعتذار لوكالة رويترز.
يرى العديد من الخبراء أن الاعتذار لم يكن ليصدر من نتنياهو لولا الضغوط المباشرة من واشنطن. فالولايات المتحدة تنظر إلى قطر كحليف استراتيجي في المنطقة، ومركز لوجيستي مهم بفضل استضافتها قاعدة "العديد" الجوية، إضافة إلى دورها المتنامي في الوساطات الإنسانية والتهدئة بين إسرائيل وحماس.
رضوخ بعد مطالب بالاعتذار
مقالات رأي عديدة في الصحافة الغربية والإسرائيلية كانت قد دعت تل أبيب صراحة للاعتذار عن الهجوم على الدوحة، مؤكدة أن خسارة قطر كوسيط فاعل لن يصب إلا في مصلحة تعقيد الأوضاع وزيادة عزلة إسرائيل. من هنا، قد يكون الاعتذار رسالة مزدوجة: طمأنة أمريكية أولًا، وإعادة فتح قنوات خلفية مع قطر ثانيًا.
من ضمن الخبراء الذين خرجوا بمقالات وتقارير تطالب إسرائيل بتقديم اعتذار لقطر بعد الهجوم على الدوحة:
- د. بول ديفيس، نائب رئيس تطوير الأعمال الحكومية في شركة أمنية، ورئيس مؤسسة Jans Think International Security، وصف الهجوم بأنه “حادث مؤسف” وخروقات صريحة للقوانين الدولية، واعتبر أن الولايات المتحدة تتعرض لضغوط كبيرة بسبب التأثير الذي يمكن أن يكون للهجوم على علاقاتها مع دول الخليج وقطر.
- د. توماس إس. ويريك، زميل كبير مقيم في برنامج الأمن بالشرق الأوسط، قال إن الموقف الأمريكي بعد الهجوم يحمل رسائل مهمة، من أهمها تعهد الرئيس الأمريكي Donald Trump بعدم تكرار مثل هذه الضربات، وهو ما يشير إلى أن الجانب الأمريكي يعتبر الاعتذار أمراً ضرورياً لكبح التوتر الإقليمي.
- السناتور كريس ميرفي من مجلس الشيوخ الأمريكي، وصف الهجوم بأنه "انتهاك واضح للقانون الدولي"، مطالباً بأن تُحاسب إسرائيل على ما قامت به، وأن تعيد العلاقات مع قطر إلى مسار التعاون.
- روبرت مالي، المبعوث الأمريكي السابق لشؤون إيران ومستشار سابق بملف الشرق الأوسط، قال إن الضربة تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية ليست مهتمة حقاً بالحل التفاوضي في حرب غزة، وإن إساءة العلاقات مع قطر تُسمم المناخ المطلوب للتفاوض.
- ومن بين الخبراء الأسرائيليون الذين رفعوا صوتهم مطالبين باعتذار رسمي من إسرائيل، يبرز اسم العقيد المتقاعد دورون هدار، الخبير العسكري الإسرائيلي وقائد سابق لوحدة إدارة الأزمات في جيش الاحتلال، الذي دعا في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن تل أبيب تقدم اعتذارًا علنيًا لقطر عن الضربة الجوية التي استهدفت مقر التفاوض التابع لحماس في الدوحة، معتبرًا أن تجاهل ذلك سيلحق ضرراً بالمصالح الاستراتيجية ويعرقل مسار التفاوض على الأسرى.
قطر بين الوساطة والحذر
بالنسبة للدوحة، يمثل الاعتذار الإسرائيلي ورقة ضغط وفرصة في الوقت نفسه. فمن جهة، هو اعتراف ضمني بأهمية دورها في التوازنات الإقليمية، ومن جهة أخرى يكشف هشاشة العلاقة التي قد تُستغل لتعزيز مكانتها الدولية كوسيط لا يمكن تجاوزه. لكن القيادة القطرية تدرك أن التهديد الإسرائيلي لن ينتهي بمجرد اعتذار لفظي، ولذلك ستتعامل بحذر مع أي التزامات قادمة من تل أبيب.
قراءة في التوقيت
توقيت الاعتذار له دلالاته كذلك. فهو يأتي بينما تتزايد الضغوط على حكومة نتنياهو داخليًا وخارجيًا، ومع تصاعد الانتقادات الأمريكية لإسرائيل بشأن إدارتها للأزمة في غزة. وبالتالي، فإن الرسالة الموجهة لقطر لا تنفصل عن محاولات نتنياهو لترميم صورته أمام واشنطن، وضمان استمرار القنوات الخلفية التي قد تساعد في الوصول إلى تفاهمات جزئية مع حماس عبر الوساطة القطرية.