في يوم دامٍ جديد على الطرق المصرية، لقي ثمانية أشخاص مصرعهم وأصيب 14 آخرون في حادث تصادم مروع بين حافلة ركاب وشاحنة نقل ثقيل على الطريق الصحراوي الشرقي المعروف بـ"طريق الجيش" بمحافظة المنيا. وفي ذات اليوم، شهدت محافظة الجيزة حادثًا آخر أودى بحياة سائحين صينيين وأصاب سبعة آخرين، بينهم أربعة من نفس الجنسية، نتيجة اصطدام ميكروباص بمركبة نصف نقل على الطريق السياحي المؤدي إلى المنيب.
الحادثان سلّطا الضوء مجددًا على خطورة أوضاع الطرق في مصر، رغم مليارات الجنيهات التي صُرفت على مشروعات التوسع في البنية التحتية خلال السنوات الأخيرة.
تفاصيل حادث المنيا
أعلنت وزارة الصحة أن حادث المنيا وقع في نطاق مركز بني مزار، حيث أدى التصادم بين الحافلة والشاحنة إلى انقلاب الأولى وسط مشاهد مأساوية عايشها الركاب والأهالي.
دفعت الوزارة بـ34 سيارة إسعاف لنقل المصابين، الذين تراوحت إصاباتهم بين المتوسطة والحرجة، إلى مستشفى سمالوط النموذجي، فيما جرى نقل الجثامين إلى المشرحة تمهيدًا لإجراءات الدفن.
شهود عيان أكدوا أن الأهالي هرعوا إلى موقع الحادث وحاولوا استخراج الضحايا من الحافلة، وسط تأخر سيارات الإسعاف في الوصول، بينما تحفظت الشرطة على سائق الشاحنة للتحقيق في ملابسات الواقعة.
مأساة أخرى في الجيزة
وفي الجيزة، اصطدم ميكروباص بمركبة نصف نقل محملة على الطريق السياحي المؤدي إلى المنيب، ما أدى إلى انقلاب الأخيرة وفقدان السيطرة على الحركة المرورية لوقت قصير.
أسفر الحادث عن وفاة سائحين صينيين، بينما أُصيب سبعة آخرون بينهم أربعة صينيين، ونُقلوا إلى مستشفى الهرم لتلقي العلاج. ووفق مصادر طبية، فإن بعض الحالات لا تزال تحت الملاحظة نظرًا لخطورة الإصابات.
طرق الجيش بين الإنجاز والإخفاق
الطريق الصحراوي الشرقي، أو "طريق الصعيد الحر"، أنشأه الجيش قبل نحو عشر سنوات بطول 309 كيلومترات لربط القاهرة بمحافظة أسيوط مرورًا ببني سويف والمنيا. ورغم إعادة تطويره أكثر من مرة، لا تزال الحوادث المميتة تتكرر عليه بوتيرة لافتة.
ويشير خبراء إلى أن جزءًا من المشكلة يعود إلى غياب المواصفات الفنية الكاملة في تصميم بعض الطرق، إضافة إلى ضعف الصيانة الدورية وسوء الرقابة على الشاحنات، ما يضاعف خطورة المرور خاصة في ساعات الليل.
توسع بلا أمان
حكومة السيسي تتفاخر دومًا بطفرة إنشاء الطرق والكباري خلال العقد الأخير، إذ جرى إنفاق مليارات الجنيهات على مشاريع عملاقة. غير أن الأرقام الرسمية تكشف تناقضًا صادمًا: فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، لا تزال حوادث الطرق تحصد سنويًا أرواح نحو 7 آلاف شخص، فضلًا عن عشرات الآلاف من المصابين.
النيابة العامة نفسها سبق أن أشارت في بيان رسمي إلى تكرار الحوادث على الطريق الدائري الأوسطي، أحد المشاريع الكبرى المنفذة من قبل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، مؤكدة تلقيها شكاوى بشأن عيوب تصميمية أبرزها حجب زاوية الرؤية في بعض المناطق.
قصور في الرقابة
يرى مختصون أن مشكلة الحوادث في مصر ليست فقط في بنية الطرق، بل أيضًا في ضعف منظومة الرقابة على تطبيق معايير السلامة. فغياب الفحص الدوري للمركبات الثقيلة، وترك سائقي الشاحنات بلا التزام صارم بساعات القيادة والراحة، يسهم في وقوع كوارث متكررة.
كما أن البنية التشريعية لا تزال عاجزة عن فرض عقوبات رادعة على مخالفات السرعة والتجاوزات الخطيرة، ما يفاقم من معدلات الضحايا سنويًا.
انعكاسات كارثية
حادثا المنيا والجيزة يقدمان نموذجًا صارخًا لما بات يُعرف إعلاميًا بـ"نزيف الأسفلت"، وهو نزيف لا يتوقف رغم الدعاية الرسمية عن إنجازات الطرق. فالضحايا هنا ليسوا أرقامًا فقط، بل أسر فقدت معيلها، وسياح فقدوا حياتهم في بلد يسعى جاهدًا لتحسين صورته أمام العالم.
ومع استمرار هذه الحوادث، يصبح السؤال الأهم: ما جدوى الطرق الجديدة إذا لم تُصمَّم وفق أعلى معايير الأمان، ولم تُدار بنظم رقابية فعّالة تمنع الكوارث قبل وقوعها؟
الخلاصة
ما حدث اليوم في المنيا والجيزة يختصر مأساة ممتدة في مصر: طرق حديثة من حيث الشكل، لكنها عاجزة عن حماية الأرواح. إن استمرار هذه الحوادث يعني أن الخلل أعمق من مجرد حادث عارض، بل هو مؤشر على أزمة هيكلية في إدارة ملف الطرق والسلامة المرورية، تحتاج إلى معالجة جذرية تضع حياة المواطنين فوق اعتبارات الدعاية والإنشاءات.