بينما تروج وسائل الإعلام الرسمية لمشهد انتخابي نزيه وديمقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ المصري 2025، ترصد تقارير المراقبة المحلية والدولية ونشطاء المجتمع المدني انتشار ظواهر شراء الأصوات وتوزيع المال السياسي والوجبات، وسط غياب واضح للتنافس الحقيقي وتضييق مستمر على الأصوات المعارضة، لتنضم العملية الانتخابية إلى سلسلة استحقاقات رئاسية وبرلمانية أفرغت من مضمونها الديمقراطي.
أُجريت انتخابات مجلس الشيوخ في مصر في 4 و5 أغسطس 2025، وسط منافسة على 200 مقعد انتخابي من أصل300 الثُّلث المعين من قبل قائد الانقلاب العسكري، حيث جرى الترشح ضمن آليتين:
- قائمة واحدة وطنية "القائمة الوطنية لمصر" عبر النظام المغلق.
- 100 مقعد فردي ضمن 27 دائرة انتخابية، منافسة فيها 424 مرشحًا.
رغم لعب الدور الاستشاري، فإن المجلس يمثل جزءاً من المشهد السياسي المهيمن على النظام الحالي، وسط ضيق في الفرص الفعلية للمعارضة أو المنافسة الحقيقية.
خرق القوانين الانتخابية..
قبل أيام من التصويت، أصدر "الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية" (بوابة منتدى الحوار) تقريراً كشف استغلالاً واسعاً لمرافق الدولة:
- استخدام المساجد والمباني الحكومية في الحملات الدعائية رغم حظر القانون
- تجاوز سقف الإنفاق القانوني للمترشحين الفرديين (الذي هو 500,000 جنيها مصرياً في الجولة الأولى، و200,000 جنيها مصرياً في الإعادة).
- أظهر المرشّحون المؤيدون للنظام إنفاقًا يفوق الحد بشكل صارخ، مثل حزب مستقل وطن الذي أنفق نحو 1.6 مليون جنيه على إعلانات رقمية وحدها .
لم تفرض الهيئة الوطنية للانتخابات أية عقوبات، رغم وجود تجاوزات واضحة، مما يشير إلى ضعف آليات المراقبة والعدالة الانتخابية.
شراء الأصوات..
يشير التحقيق الاستقصائي لـ "زاوية تالتة" في يوليو 2025 إلى أن شراء الأصوات كان منهجياً ومنظماً:
- دفع مبالغ نقدية (من 100 إلى 250 جنيها مصرياً) لكل صوت يقدّمه الناخب في اليوم الانتخابي، إلى جانب تسليم قسائم لاستلام "عُلب غذائية" أو أموال إضافية بعد التأكيد أن الناخب أدلى بصوته.
- في بعض المناطق، تم تنسيق توزيع هذه الحوافز بين مرشحين مختلفين خلال جولة الإعادة، عبر شبكات من "الوسطاء" المسؤولين عن محطات اقتراع محددة.
تُفيد التقديرات أن ثمن الكرسي الواحد على القائمة وصل إلى 30 مليون جنيه، بينما كان ثمن الكرسي في انتخابات البرلمان السابقة عام 2020 نحو 22 مليون جنيه فقط، وتصل قيمة الترشّح في القائمة البرلمانية إلى 70 مليون جنيه أحيانًا.
مع انطلاق التصويت، تصاعد سعر الصوت الانتخابي في المناطق الشعبية بمحافظات القاهرة الكبرى، حيث وصل إلى 200 جنيه في اليوم الأول، وقفز لاحقًا إلى 300 جنيه، مع توقعات بأن يصل إلى 500 جنيه في الساعات الأخيرة، خاصة في الأحياء الشعبية كحي المطرية.
يُكلف سماسرة الانتخابات، الذين يعرفون جميع سكان المنطقة بالاسم، بتجميع المصوتين عبر وعود بنقلهم إلى اللجان مقابل مبالغ مالية ووجبات غذائية، كما تم توثيق توزيع بونات صرف نقدي من أعضاء حزب "مستقبل وطن" أمام مقار اللجان.
شهدت محيط المدارس وأماكن الاقتراع توزيع كراتين غذائية ومانجو مطبوع عليها اسم الحزب، في مشهد تكرّر في مناطق بمحافظة الإسكندرية، حيث بلغ سعر الصوت 200 جنيه مع وجبة غذائية ومواصلات مجانية للناخبين.
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان رصدت حالات شراء أصوات متكررة عبر توزيع مبالغ مالية وبونات داخل الحرم الانتخابي، الأمر الذي يعد خرقًا واضحًا لضوابط الهيئة الوطنية للانتخابات، ورغم توالي الشكاوى، تصر الأخيرة على نفي أي مخالفات، مكتفية بالإشادة بسلاسة الإجراءات الرسمي.
يؤكد تقرير مشترك لتحالف مراقبة الانتخابات ومرصد نزاهة الانتخابات أن "آلية المال السياسي والضغوط المجتمعية، بجانب إحجام الجهات الرقابية عن التحقيق في المخالفات، حولت قواعد التنافس لمسرحية شكلية"
إهمال الإشراف القضائي..
تنتهي في عام 2024 مدة الالتزام بالمراقبة القضائية المباشرة لجميع مراكز الاقتراع، المقررة في المادة 210 من الدستور نتيجة لذلك، انتخابات 2025 للشيوخ لم تخضع لمراقبة قضائية بل مستقلة، ما فتَح المجال لانتهاكات أوسع دون رادع قانوني فعّال، فغياب القضاة على أبواب اللجان أدى إلى انتشار الوسطاء الماليين والمزيد من ضغوط الدولة على الناخبين، خاصة الفئات الأشد فقرًا.
نفوذ دولة الانقلاب..
تنظيم "مستقبل وطن" والأحزاب المؤيدة للنظام شكّلت القائمة الوطنية الوحيدة في الانتخابات؛ إذ لم توجد قوائم منافسة رسمية، مما يضمن حصول القائمة على جميع المقاعد (100)، وفق نظام “الأغلبية المطلقة المغلقة”.
وصف طلعت خليل منسق الحركة المدنية، النظام الانتخابي بأنه يمنح امتيازًا لمرشحين ماليًا مدعومين، محذرًا من أن مشاركته في الترشّح أصبحت مستحيلة لأي شخص لا يملك موارد مالية ضخمة.
أُعيد تذكير أن وسائل الإعلام الحكومية والدعم المؤسسي لخدمة هذه القوائم كان واضحًا من خلال تغطية رسمية، بينما لم يتاح للخصوم مساحة حقيقية في الإعلام، بل وعُلِقّت الترشّحات والمعارضات تحت ضغط واستبعاد ممنهج.
استغلال الفقراء
المستهدفين من عمليات شراء الأصوات هم فقراء الريف والمستفيدون من برامج الدعم مثل "تكافل وكرامة"، حيث يتم توظيف تلك الامتيازات المعيشية كأداة ضغط انتخابي.
المناطق الأشد احتياجاً شهدت توزيعاً منظمًا للوجبات الجاهزة بالإضافة إلى مبالغ نقدية، مقابل تفعيل الناخبين أياً كانت ميولهم الحقيقية، مما يعكس استغلالًا ممنهجًا لتحويل الدعم الاجتماعي إلى أدوات انتخابية مؤدلجة.
وأكد أكرم إسماعيل من حزب الخبز والحرية أن المال والسياسات الأمنية استبدلتا المصداقية السياسية: "المال السياسي أصبح من الأسس العقدية للعملية الانتخابية" في وقت تقلص فيه الحضور الشعبي الحقيقي .
اقتصاديون ومراقبون مستقلون حذروا من أن ترسخ هذه الممارسات يؤدي إلى مزج المال بالدولة بمؤسساتها الرسمية، ويُعمق الشعور بأن البرلمان ليس سوى تكرار لنموذج "مؤسسات موجهة سياسيًا" دون استقلال حقيقي.
النتائج المرتقبة..
النتائج الأولية من المتوقع إعلانها في 12 أغسطس 2025، وجولات الإعادة إن لزم الأمر ستُجرى في 27–28 أغسطس داخلياً و25–26 أغسطس للخارج، بينما النتائج النهائية ستُنشر في 4 سبتمبر بالجريدة الرسمية.
المراقبون يعتبرون انتخابات الشيوخ هذه بمثابة تمرين تنظيمي للبرلمان القادم، وبناءً على التجارب السابقة، من المرجح أن تتكرر نفس الأساليب في انتخابات مجلس النواب المتوقع عقدها في نوفمبر 2025، إلا أن التدخل في الإنفاق والهيمنة الإعلامية قد تصبح أكثر تجذراً.
مع أنها تُقدم في ظاهرها كمشاركة مدنية وسياسية داخل الإطار الدستوري، لكن انتخابات مجلس الشيوخ 2025 تكشف بوضوح عن الفساد المؤسساتي، استخدام المال العام أو شبه العام كأداة انتخابية، وإهمال المراقبة القانونية الحقيقية.
كل ذلك يعكس استمرار هيمنة النظام الحالي مؤسساتياً، وتهميش أي رغبة شعبية حقيقية في التغيير، مع تحوّل الممارسة الانتخابية إلى خدمة للامتياز المالي وليس للشعب أو البرامج الانتخابية الحقيقية.
التقارير والأرقام من شراء أصوات مقابل 100–250 جنيه إلى إنفاق ملايين للمرشح الواحد، تؤكد أن الحصيلة النهائية ليست مشروعة شعبياً، بل مؤطرة أمنياً وسياسياً، وتفتقر إلى العناصر الأساسية للديمقراطية.