لسنوات طويلة، سوّق نظام الانقلاب في مصر وهماً للشعب المصري بأن "الأمور تحت السيطرة" وأن القيادة السياسية تمتلك "أوراق ضغط" سرية في ملف سد النهضة.
اليوم، سقطت الأقنعة تماماً، وبات واضحاً للجميع أن النظام الذي فرّط في حقوق مصر التاريخية بتوقيعه الكارثي على "إعلان المبادئ" عام 2015، يقف الآن عاجزاً أمام الغطرسة الإثيوبية التي لم تعد تكتفي ببناء السد، بل تمارس "إذلالاً استراتيجياً" للدولة المصرية عبر التحكم الكامل في شريان حياتها الوحيد، بينما تكتفي القاهرة ببيانات الشجب والتحذير التي لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.
إثيوبيا تتلاعب بمصير المصريين: "حنفية" النيل في يد أديس أبابا
لم يعد الحديث عن المخاطر "محتملة"، بل أصبحت واقعاً مريراً يعيشه المصريون. التصرفات الإثيوبية الأخيرة كشفت عن تحول خطير في إدارة النهر:
الإدارة المزاجية للنهر: تتعمد إثيوبيا فتح وإغلاق بوابات السد بشكل عشوائي ومفاجئ، دون أي تنسيق أو إخطار مسبق، في استخفاف كامل بالأمن المائي لدولتي المصب. تارة تحبس المياه لملء الخزان وتجفف النهر، وتارة تفتح بوابات الطوارئ لتغرق السودان وتهدد منشآت الري المصرية، محولة النهر من مورد حياة إلى أداة ابتزاز سياسي.
فرض الأمر الواقع: استغلت أديس أبابا "الميوعة" السياسية للنظام المصري لتفرض سياسة الأمر الواقع، حيث أتمت مراحل الملء دون اكتراث بالاعتراضات المصرية، وبدأت فعلياً في التشغيل الذي يتحكم في تدفق المياه، مما يعني أن الأمن المائي المصري بات رهينة لقرار سياسي في العاصمة الإثيوبية.
نظام الانقلاب: من "التفريط" في المبادئ إلى "التسول" في المحافل
تتحمل السلطة الحالية المسؤولية التاريخية والكاملة عن وصول مصر إلى هذا المنعطف الوجودي الخطير.
خطيئة إعلان المبادئ: لا يمكن فصل "العربدة" الإثيوبية الحالية عن التوقيع الكارثي للسيسي على اتفاقية المبادئ في 2015، التي منحت الشرعية الدولية للسد الإثيوبي وأسقطت حق مصر في الاعتراض القانوني، مقابل وعود وهمية بحسن النوايا تبخرت مع أول متر مكعب من الخرسانة.
دبلوماسية العجز: بدلاً من اتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة، يواصل النظام سياسة "الشكوى والبكاء" في المحافل الدولية ومجلس الأمن، وهي سياسة أثبتت فشلها الذريع على مدار عقد كامل، حيث يكتفي العالم بمشاهدة "المأساة المصرية" بصمت، مدركاً أن النظام الذي لا يحترم شعبه لا يستحق احترام العالم.
الخطر القادم: سنوات العجاف وانهيار السيادة
الأخطر مما حدث هو ما ينتظر مصر في المستقبل القريب. الخبراء يؤكدون أن الكارثة الحقيقية ستظهر مع أول سنوات الجفاف، حينها ستكتشف مصر أنها فقدت سيادتها المائية بالكامل.
العطش القادم: مع اكتمال الملء وبدء التشغيل، ستواجه مصر عجزاً مائياً مزمناً قد يصل إلى فقدان مليارات الأمتار المكعبة سنوياً، مما يعني تبوير ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية، وتشريد ملايين الفلاحين، وتهديد الأمن الغذائي لبلد يستورد معظم طعامه.
تهديد السد العالي: التحكم الإثيوبي في التدفقات يهدد كفاءة السد العالي، ويجعله مجرد "خزان تابع" للسد الإثيوبي، يستقبل ما يفيض عن حاجة أديس أبابا فقط، مما يضرب في مقتل مشروع مصر القومي الأكبر في القرن العشرين.
خاتمة: نظام "لا يملك ولا يحكم"
إن ما يحدث في ملف النيل هو جريمة خيانة عظمى لمقدرات هذا الوطن. فبينما تبني إثيوبيا سدوداً لتوليد الطاقة وبسط النفوذ، ينشغل نظام الانقلاب ببناء القصور والجسور والمدن الخرسانية في الصحراء، تاركاً شريان الحياة الوحيد للمصريين تحت رحمة "المزاج الإثيوبي". لقد أثبتت الأيام أن هذا النظام لا يملك رؤية ولا إرادة، وأنه أضعف من أن يحمي "قطرة مياه" واحدة، فكيف يؤتمن على وطن بحجم وتاريخ مصر؟ إن التاريخ لن يرحم من فرّط، والشعب سيدفع ثمن هذا العجز من حاضره ومستقبل أبنائه.

