تشهد مصر اليوم وغدًا حالة من عدم الاستقرار الجوي، مع سقوط أمطار غزيرة ورعدية في عدد من المحافظات، وانخفاض كبير في درجات الحرارة، وفقًا لما أعلنته هيئة الأرصاد الجوية.

 

لكن خلف هذا "البيان العلمي" المكرر، يكمن مشهد مألوف ومخزٍ يتكرر مع كل موجة طقس سيئة: شوارع تغرق، طرق تنهار، كهرباء تنقطع، وأجهزة دولة تتعامل مع الأمطار وكأنها كارثة غير متوقعة، لا ظاهرة موسمية معروفة.

 

المنخفض الجوي ليس المشكلة، بل غياب الحد الأدنى من الاستعداد الحكومي، وترك المواطنين يواجهون الطقس بلا حماية، ولا خطة، ولا بنية تحتية تصمد ساعة واحدة أمام المطر.

 

الطقس ينقلب.. والحكومة كالعادة تتفاجأ

 

بحسب تصريحات الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي لهيئة الأرصاد، فإن مصر تتعرض لمنخفض جوي في طبقات الجو العليا، على ارتفاع 5-6 كيلومترات، مصحوب بكتل هوائية باردة، ومنخفض سطحي على البحر المتوسط.

 

المحصلة: أمطار غزيرة إلى رعدية، انخفاض ملحوظ في الحرارة، رياح نشطة، واضطراب في الملاحة البحرية، مع تحذيرات من تساقط البَرَد وبرق قوي.

 

كل هذه المؤشرات كانت معلنة مسبقًا، ومعروفة علميًا، ومتوقعة في هذا التوقيت من كل عام، ومع ذلك لم نرَ أي تحرك استباقي من الحكومة ولا من المحليات، لا استعداد على الأرض، لا صيانة لمصارف مياه الأمطار، لا خطة لإدارة الأزمة، وكأن الدولة تتعامل مع الطقس كـ"قضاء وقدر"، وليس كحدث متكرر يستوجب الجاهزية.

 

المطر يفضح ما تحته: بنية تحتية "شكلية"

 

لا تكشف الأمطار فقط عن السماء، بل تكشف ما تحت الأرض من فساد وإهمال، فمع كل موجة سقوط، تتحول المدن الكبرى إلى برك ضخمة، وتُغلق الأنفاق، وتُشل حركة المرور، ويُترك المواطن بين خيارين: الغرق أو الاختناق.

 

في القاهرة الكبرى والإسكندرية، وغيرها من المحافظات الساحلية، لا توجد شبكة تصريف أمطار محترمة، رغم الحديث المتكرر عن "المشروعات القومية" و"البنية التحتية الحديثة"، فما الذي حدث لكل تلك المليارات التي تم الترويج لإنفاقها على "شبكات الطرق"؟ ولماذا لا تصمد هذه الشبكات أمام ساعة واحدة من الأمطار؟

 

أرواح على الهامش: المواطن يواجه العاصفة وحده

 

من تصريحات الهيئة نفسها، هناك تحذيرات واضحة: برق شديد، برد متساقط، رياح قوية، اضطراب بحري، موجات ارتفاعها يصل إلى 3 أمتار.

 

لكن أين خطة الطوارئ؟ أين سيارات شفط المياه؟ أين الملاجئ المؤقتة أو غرف العمليات أو الخطوط الساخنة؟

 

الحكومة اكتفت بتحذيرات إعلامية عامة، وبعض النصائح السطحية مثل "عدم الاقتراب من أعمدة الإنارة" و"القيادة بحذر"، متناسية أنها مسؤولة عن حماية أرواح الناس، لا مجرد التنظير في المؤتمرات الصحفية.

 

المدارس مفتوحة، رغم الخطر.. واللامبالاة مستمرة

 

في وقت تستنفر فيه الدول المتقدمة طواقم الطوارئ وتغلق المدارس عند أقل تحذير من سوء الأحوال الجوية، أبقت الحكومة المصرية على معظم المدارس مفتوحة رغم تحذيرات الأرصاد.

 

النتيجة المتوقعة؟ أطفال يسيرون في طرقات غارقة، ومركبات عالقة في الطين والمياه، وتهديد مباشر لحياة التلاميذ، كل ذلك فقط لأن الحكومة لا تريد "تعطيل المصالح"، وكأن حياة الناس لا تساوي شيئًا أمام صورة الانضباط الزائفة.

 

الأمطار لا تقتل.. الإهمال هو القاتل

 

ما يجري ليس سوء طقس بل سوء إدارة.

 

المنخفض الجوي طبيعي، لكن الأزمة سياسية وإدارية بامتياز.

 

غياب خطة وطنية لإدارة الأمطار والعواصف، تقاعس المحليات، فساد في المشروعات، وعدم مساءلة أي مسؤول، كلها أسباب تجعل من كل قطرة مطر أزمة قومية.

 

السماء تنذرنا بالماء، لكن الأرض تغرق في الفساد.

 

والسؤال المؤلم المتكرر: كم من المواطنين سيدفعون الثمن هذه المرة؟

 

ولماذا لا تدفع الحكومة ثمن فشلها المزمن في حماية الناس؟