تواصل سلطة الانقلاب في مصر سياساتها الاقتصادية الكارثية، مُصرة على السير في نفق مظلم من الاستدانة المستمرة لسد عجز الموازنة المتفاقم.

 

وفي خطوة تكشف عن عمق الأزمة وفشل الحلول التقليدية، لجأ البنك المركزي مجدداً هذا الشهر لطرح أذون خزانة دولارية بقيمة 1.5 مليار دولار، في إجراء يُعد اعترافاً ضمنياً بعجز العملة المحلية وعدم قدرة الاقتصاد الحقيقي على توليد النقد الأجنبي. هذا التوجه لا يمثل مجرد "تنويع" لمصادر الدين كما تدعي أبواق السلطة، بل هو تكريس لسياسة "تلبيس الطواقي" ورهن لمستقبل الأجيال القادمة لدائنين لا يرحمون، وسط مخاطر متزايدة من انفجار فقاعة الأموال الساخنة التي باتت الحكومة تعتمد عليها كأنبوبة أكسجين أخيرة.

 

"دولرة" الدين الداخلي: الخطيئة الاقتصادية الكبرى

 

بدلاً من تعزيز الإنتاج المحلي وتقوية الجنيه، لجأ النظام إلى الحل الأسهل والأخطر: الاقتراض بالدولار من الداخل والخارج.

 

•  عجز مزمن: طرح أذون خزانة بمليار ونصف دولار لمدة عام بعائد 3.75% ليس إنجازاً، بل هو دليل إدانة على شح السيولة الدولارية وحاجة النظام الماسة لأي نقد أجنبي لسداد التزاماته العاجلة.

 

•  مخاطر سيادية: التوسع في إصدار أدوات دين قصيرة الأجل بالعملة الصعبة يضع رقبة الاقتصاد تحت مقصلة التقلبات العالمية، حيث تلتزم الدولة برد أصل الدين وفوائده بالدولار في وقت قياسي (سنة واحدة)، مما يستنزف الاحتياطي النقدي ويجعله في مهب الريح عند أي صدمة خارجية.

 

الأموال الساخنة: فخ النجاة المؤقت والانهيار القادم

 

رغم تصريحات المسؤولين السابقة عن "تعلم الدرس" وعدم الاعتماد على الأموال الساخنة، تشير الأرقام إلى أن النظام عاد ليمارس هوايته المفضلة في المقامرة بمستقبل البلاد.

 

•  عودة للمربع صفر: البيانات الأخيرة عن تدفق مليار دولار من الأجانب في أسبوع واحد لشراء أذون الخزانة تؤكد أن الحكومة لا تزال تعتمد على "الرشاوى" بسعر فائدة مرتفع لجذب المضاربين الدوليين، متجاهلة أن خروجهم المفاجئ (كما حدث في 2022) سيؤدي لانهيار جديد في قيمة العمل.

 

•  اقتصاد ريعي هش: الاعتماد على هذه الأموال لـ"سد العجز" هو تخدير موضعي يخفي وراءه جسداً اقتصادياً مريضاً، حيث تذهب هذه الأموال لسداد ديون قديمة أو تمويل مشروعات غير إنتاجية، بدلاً من ضخها في شرايين الصناعة والزراعة.

 

الفشل في إدارة الموارد: من "السيادة" إلى "التسول"

 

يكشف إصرار الحكومة على هذا النهج عن إفلاس في الرؤية وعجز في الإدارة.

 

•  تبديد الأصول: لم تكتفِ السلطة ببيع أصول الدولة في صفقات غامضة (مثل رأس الحكمة)، بل تواصل استنزاف الجهاز المصرفي المحلي عبر إجباره على إقراضها بالدولار، مما يزاحم القطاع الخاص ويحرمه من التمويل اللازم للنمو.

 

•  حلقة مفرغة: سياسة "الاستدانة لسداد الدين" حولت الموازنة العامة إلى مجرد "دفتر شيكات" لخدمة الديون، حيث يلتهم بند الفوائد والأقساط الجزء الأكبر من الإنفاق، على حساب الصحة والتعليم والخدمات الأساسية للمواطن المطحون.

 

خاتمة: نحو الهاوية بسرعة قصوى

 

إن استمرار حكومة الانقلاب في هذه السياسات المالية المتهورة، والاعتماد المفرط على الأذون الدولارية والأموال الساخنة، ليس إلا "شيكاً على بياض" لانهيار اقتصادي وشيك. فالدولة التي تقترض لكي تأكل، وتستدين بالعملة الصعبة لكي تسدد فوائد ديونها، هي دولة تسير بخطى ثابتة نحو الإفلاس، ما لم يتم تدارك الأمر بتغيير جذري وشامل يطيح بهذه المنظومة الفاشلة ويعيد للاقتصاد المصري توازنه وسيادته المفقودة.