في فضيحة حقوقية جديدة تؤكد انهيار منظومة العدالة في مصر، كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن جمود قضائي غير مسبوق، حيث لم تصدر دوائر غرفة المشورة بمحكمة الجنايات قرارًا واحدًا بالإفراج عن معتقل سياسي على ذمة الحبس الاحتياطي منذ أكثر من 850 يومًا. هذا الواقع المأساوي يعكس بوضوح كيف تحولت السلطة القضائية إلى أداة قمع في يد سلطة انقلابية لا تعترف بالقانون ولا بالكرامة الإنسانية.
الحبس الاحتياطي: عقوبة ممنهجة لإسكات المعارضين
بحسب التقرير الصادر بعنوان "لم يُخلَ سبيل أحد"، فإن الامتناع المستمر عن إصدار قرارات بالإفراج حوّل الحبس الاحتياطي إلى عقوبة غير معلنة تُستخدم لمعاقبة الخصوم السياسيين والمعارضين. هذا الانتهاك الصارخ للقانون حوّل آلاف المحتجزين إلى رهائن في قبضة الأجهزة الأمنية، دون تهمة أو محاكمة عادلة. أصبحت الزنازين مقابر صامتة، تُدفن فيها الحقوق، وتتلاشى فيها آمال العدالة.
قضاة بلا قرار.. نيابة تتغوّل ومحاكم شكلية
ما نقلته الشبكة من شهادات محامين متابعين لجلسات التجديد يكشف حقيقة مرعبة: لا أحد يتوقع العدالة في جلسات غرفة المشورة. فقرارات التجديد محسومة مسبقًا، والتمديد الآلي لمدة 45 يومًا أصبح عرفًا قضائيًا بائسًا. لم يعد القاضي يملك قراره، بل أصبح مجرد ختم يمرر أوامر الأجهزة الأمنية. إن ما يحدث اليوم هو تواطؤ كامل مع منظومة القمع، وتخلي صريح عن مبدأ استقلال القضاء.
دور القضاء يغيب.. والنيابة تُهيمن
في ظل هذا الجمود، تشير منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية (Amnesty International) وهيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) إلى تحوّل القضاء المصري إلى غطاء شرعي لانتهاكات منهجية. وقد أفادت تقارير متعددة بأن قرارات الإفراج أصبحت بيد نيابة أمن الدولة العليا، مما ألغى فعليًا أي دور رقابي للقضاء، وخاصة بعد إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي التي تُستخدم لتبييض وجه النظام دون معالجة جذور الأزمة.
تفريغ القانون من مضمونه: تصريحات المحامين
أكد المحامون الذين حضروا تلك الجلسات أنهم يذهبون إلى قاعات المحكمة وهم يدركون أن قرارات التجديد محسومة، وأن لا مجال لأي أمل في العدالة. أحد المحامين صرح: "لم أشهد طيلة العامين الماضيين قرارًا واحدًا بالإفراج. نحن نحضر جلسات وهمية، المحاكم أصبحت مسرحية سيئة الإخراج". هكذا تُهدر العدالة، ويُستهزأ بالقانون علنًا.
المجتمع الدولي يتقاعس.. والضحايا يتزايدون
مع غياب العدالة الداخلية، يتطلع أهالي المعتقلين إلى موقف دولي أكثر حزمًا. صمت الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تجاه هذه المأساة يرقى إلى مستوى التواطؤ. إن التغاضي عن الانتهاكات تحت ذرائع المصالح الجيوسياسية يعرّي نفاق هذه الدول، ويترك الضحايا وحدهم يواجهون آلة القمع.
مطالب واضحة لا تحتمل التأجيل
طالبت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بمراجعة شاملة لجميع حالات الحبس الاحتياطي ذات الخلفيات السياسية، وتفعيل الرقابة القضائية الحقيقية على قرارات التجديد. كما طالبت السلطات القضائية بـ"استعادة دورها الطبيعي كحائط صد ضد تغول السلطة التنفيذية"، محذرة من أن استمرار هذا الصمت القضائي سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من الثقة في منظومة العدالة.
صرخات الحرية لا تموت
رغم كل محاولات الإخفاء والتجاهل، تبقى صرخات المظلومين خلف القضبان شاهدة على نظام يزدري القانون ويحتقر الكرامة. وكل يوم يمر دون عدالة هو إدانة إضافية لحكم العسكر، وشهادة موثقة على خيانة القضاء لدوره الأصيل كحارس للحقوق والحريات. على الجميع أن يدرك: الحرية لا تُقهر، والحق لا يموت ولو طال القمع.

