يوافق اليوم الأحد، اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، في الوقت الذي يعاني فيه الصحفيون في مصر من انتهاكات تتنوع ما بين الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب البدني والنفسي، إلى جانب سجن الصحفيين لسنوات طويلة بتهم باطلة ودون محاكمات عادلة.
وتحتل مصر مراتب متدنية في مؤشرات حرية الإعلام؛ إذ جاءت في المرتبة 170 من أصل 180 دولة وفق تصنيف “مراسلون بلا حدود” لعام 2025. كما تُعدّ مصر من أكثر الدول قمعًا للصحافة، إذ تحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حيث عدد الصحفيين المعتقلين.
ووثقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، استمرار الانتهاكات الجسيمة بحق عشرات الصحفيين، في ظل غياب المساءلة القانونية واستمرار سياسة الإفلات من العقاب التي تمارسها الأجهزة الأمنية المصرية، وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني، في ظل صمت النيابة العامة وتقاعس مؤسسات الدولة المعنية عن أداء دورها الدستوري في حماية الحقوق والحريات.
تحتل مصر المرتبة الثالثة عالميًا من حيث أعداد الصحفيين المعتقلين في السجون ومراكز الاحتجاز المختلفة، حيث لا يزال عشرات الصحفيين والإعلاميين خلف القضبان منذ سنوات.
وقد صدرت أحكام مشددة بحق 15 صحفيًا، بعضها يصل إلى الإعدام وأخرى بالسجن، كما هو الحال مع الصحفي أحمد أبو زيد الطنوبي، المحتجز في سجن بورسعيد، والذي حُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات من قِبَل محكمة عسكرية.
نماذج لصحفيين معتقلين لسنوات والتهمة: صحفي
1- الصحفي الاستقصائي إسماعيل الإسكندراني
في الساعات الأولى من فجر يوم 24 سبتمبر 2025، قامت قوات الأمن باعتقال الباحث والصحفي الاستقصائي إسماعيل الإسكندراني أثناء مروره في كمين أمني بمحافظة مطروح، أثناء عودته من واحة سيوة.
تم ترحيله إلى مقر الأمن الوطني بالعباسية في القاهرة قبل عرضه على نيابة أمن الدولة، التي قررت حبسه 15 يومًا على ذمة القضية رقم 6469 لسنة 2025. كالعادة، شملت الاتهامات “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و“نشر أخبار كاذبة”، و“استخدام موقع إلكتروني للترويج لأفكار إرهابية”.
وكان قد اعتقل للمرة الأولى في نوفمبر 2015 بمطار الغردقة الدولي أثناء إنهاء إجراءات وصوله، ليختفي قسريًا قبل عرضه على نيابة أمن الدولة، التي أحالته إلى محكمة عسكرية وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات.
وفي أكتوبر 2022، خففت محكمة النقض الحكم إلى سبع سنوات، وتم إطلاق سراحه في ديسمبر 2022، قبل أن يُعاد اعتقاله مجددًا في سبتمبر 2025.
2- الصحفية صفاء الكوربيجي
في مساء يوم الاثنين الموافق 6 أكتوبر 2025، قامت السلطات الأمنية بإعادة اعتقال الصحفية صفاء الكوربيجي، الصحفية بمجلة الإذاعة والتليفزيون، والتي كانت قد فُصلت تعسفيًا من عملها بعد كشفها لجرائم فساد داخل المؤسسة الإعلامية.
عُرضت على نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة، التي قررت حبسها 15 يومًا على ذمة القضية رقم 7256 لسنة 2025، ووجهت إليها اتهامات تشمل “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و“نشر أخبار كاذبة”، و“تمويل الإرهاب”، و“استخدام حساب على الإنترنت لنشر أخبار كاذبة”، وذلك على خلفية منشور لها في ديسمبر 2024 تناول تهجير بعض أهالي مطروح من منازلهم.
تم ترحيلها إلى سجن العاشر من رمضان – تأهيل 4.
وكانت قوات الأمن قد اعتقلتها في أبريل 2022 قبل أن يتم إخلاء سبيلها في فبراير 2024.
الجدير بالذكر أن الكوربيجي من ذوي الإعاقة الحركية، إذ إنها مصابة بشلل الأطفال، وتحتاج الى رعاية خاصة لا تتوافر فى محبسها.
3- الصحفي المخضرم توفيق غانم
قضى توفيق غانم اربع سنوات ونصف في الحبس الاحتياطي، ولا يزال يعاني من الآثار المدمرة لذلك الاحتجاز حتى الآن. يبلغ من العمر 69 عامًا، وقد ترأس عدة مؤسسات إعلامية، منها “ميديا إنترناشيونال” التي أدارت موقع “إسلام أونلاين”، كما شغل منصب المدير الإقليمي لوكالة الأناضول في القاهرة حتى تقاعده في عام 2015.
اعتقلته قوات الأمن في 21 مايو 2021، وتعرّض للاختفاء القسري لمدة خمسة أيام، حيث استُجوب بشأن عمله الصحفي، وتحديدًا عمله في وكالة الأناضول التركية.
في 26 مايو 2021، حققت معه نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة وأمرت بحبسه احتياطيًا لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات بتهم “الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف القانون”، و“نشر أخبار كاذبة”، و“إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.
نُقل إلى سجن استقبال طرة، ومنه إلى سجن ليمان أبو زعبل 2، ويجدد حبسه دوريًا.
يعاني غانم من أمراض مزمنة، منها السكري والتهاب الأعصاب وتضخم البروستاتا، ويحرم من الرعاية الصحية الكافية داخل السجن رغم توصية الأطباء بنقله إلى مستشفى خارجي.
4- المصور الصحفي حمدي مختار (حمدي الزعيم)
يُحتجز المصور الصحفي حمدي مختار احتياطيًا منذ 5 أعوام. تم اعتقاله في فجر يوم 5 يناير 2021 بعد اقتحام منزله من قبل قوة أمنية كبيرة مدججة بالأسلحة.
اختفى قسريًا لأيام، ثم ظهر في نيابة أمن الدولة العليا، ومنذ ذلك الحين يُحتجز احتياطيًا بشكل غير قانوني للسنة الخامسة على التوالي.
5- الكاتب الصحفي محمد سعد خطاب حجي
الكاتب الصحفي محمد سعد خطاب، البالغ من العمر 71 عامًا، محتجز احتياطيًا في مركز تأهيل العاشر من رمضان على ذمة القضية رقم 2063 لسنة 2023، ويواجه اتهامات بـ“نشر أخبار كاذبة” و“سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.
يعاني من تدهور حاد في حالته الصحية، إذ يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب ومرض مناعي ذاتي، بالإضافة إلى تركيب أربع دعامات قلبية، ويحتاج إلى أكثر من 20 نوعًا من الأدوية يوميًا، دون توفر الرعاية الطبية الكافية داخل محبسه.
وقد وصف في رسالة بعث بها من داخل السجن ظروف احتجازه القاسية منذ لحظة اعتقاله في أغسطس 2023، حيث تم اقتياده من مكتبه بمدينة نصر بواسطة قوة كبيرة من مباحث أمن الدولة، وعُرض بعد أكثر من 48 ساعة على نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، دون حضور محامٍ، وتم حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق.
6- الصحفي بدر محمد بدر
في 30 مارس 2017، ألقي القبض على الصحفي بدر محمد بدر في القضية رقم 316 لسنة 2017، بتهمة “الانضمام إلى جماعة غير قانونية”. ورغم تجاوزه الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، استمر احتجازه حتى صدر قرار بإخلاء سبيله في نوفمبر 2019، ثم اختفى بعد نقله إلى قسم شرطة 6 أكتوبر.
ظهر مجددًا في فبراير 2020 على ذمة قضية جديدة رقم 1360 لسنة 2019، ووجهت إليه اتهامات “نشر أخبار كاذبة” و“الانضمام إلى جماعة إرهابية”. وما يزال رهن الحبس الاحتياطي حتى اليوم، رغم معاناته من مرض السكري وحاجته الماسة إلى الرعاية الصحية.
7- المصور الصحفي محمد عطية أحمد عطية (محمد الشاعر)
المصور الصحفي محمد الشاعر، البالغ من العمر 39 عامًا، محتجز في مركز الإصلاح والتأهيل بدر 1، ويقبع في الحبس الاحتياطي للعام الخامس دون محاكمة، رغم أن القانون يحدد الحد الأقصى بعامين فقط.
اعتقلته قوات الأمن في 14 سبتمبر 2019 من منزله بمدينة السادس من أكتوبر، واختفى قسريًا لأكثر من شهرين قبل ظهوره في نيابة أمن الدولة العليا التي وجهت له تهمًا بـ“نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف القانون”.
يُذكر أن الشاعر متزوج وله ثلاث بنات، وقد سبق أن اعتُقل لمدة عامين قبل الإفراج عنه، ثم أُعيد اعتقاله في سبتمبر 2019.
وأكدت الشبكة المصرية أن سياسة الإفلات من العقاب أصبحت نهجًا ثابتًا لدى الأجهزة الأمنية في مصر، وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني، الذي ارتبط اسمه بشتى أنواع الانتهاكات الجسيمة.
وطالبت بوقف هذه الانتهاكات فورًا، وضمان إطلاق سراح جميع الصحفيين المحتجزين تعسفيًا، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم بحق الصحفيين، التزامًا بالدستور المصري وبالاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها مصر، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وقالت إن استمرار سياسة الإفلات من العقاب لا يهدد حرية الصحافة فحسب، بل يُقوّض منظومة العدالة وسيادة القانون، ويكرّس ثقافة القمع والترويع، ما يتطلب تحركًا محليًا ودوليًا عاجلًا لوقف الانتهاكات ومحاسبة المتورطين فيها، وصون حرية الصحافة باعتبارها الركيزة الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي عادل.

