أعلنت شركة "قطر للطاقة" عن استحواذها على 40% من منطقة شمال رفح البحرية الواقعة قبالة السواحل المصرية في البحر المتوسط، بموجب اتفاقية وافقت عليها الحكومة المصرية مؤخرًا، بينما تحتفظ شركة "إيني" الإيطالية، المشغلة للمشروع، بنسبة 60%.

وتغطي المنطقة محل الامتياز مساحة تقارب 3 آلاف كيلومتر مربع في مياه بعمق يصل إلى 450 متراً. ووفقاً لتصريحات سعد الكعبي، الرئيس التنفيذي لقطر للطاقة، فإن هذا الاستحواذ "يعزز تواجد الشركة في مصر ويمثل خطوة مهمة ضمن استراتيجيتها للاستكشاف الدولي".

لكن خلف هذا الإعلان البراق، تتصاعد تساؤلات عميقة في الشارع المصري حول مغزى تكرار منح امتيازات ضخمة لشركات أجنبية، ومدى استفادة المصريين فعلياً من ثرواتهم الطبيعية التي تقع داخل نطاقهم السيادي.

 

شراكة أم استحواذ فعلي؟

رغم استخدام مصطلحات مثل "اتفاقية شراكة" و"استثمار أجنبي"، إلا أن جوهر العملية يعكس استحواذاً جزئياً على أحد أهم القطاعات الحيوية في مصر. فالشركة الأجنبية لا تكتفي بحصة مالية، بل تمتلك حق الإدارة والتشغيل، وهو ما يمنحها سلطة تحديد السياسات الفنية والتجارية، بينما يظل الطرف المصري في موقع المتفرج.

الواقع أن منح قطر للطاقة 40% من الامتياز، إلى جانب 60% لشركة إيني، يترك صفر بالمئة من السيطرة المباشرة للحكومة المصرية على عمليات الاستكشاف في هذه المنطقة الحساسة، بما يُثير جدلاً حول حدود السيادة الاقتصادية في ظل التوسع المتزايد في عقود الامتياز الأجنبية.

 

غياب الشفافية في العقود

واحدة من أبرز الإشكاليات التي تُرافق هذا النوع من الصفقات هي الغياب شبه الكامل للشفافية في ما يتعلق ببنود الاتفاق. فلا يُعرف للرأي العام المصري حجم العائد المالي الحقيقي للدولة، ولا نسبة تقاسم الأرباح أو مدة العقد أو آليات الرقابة الوطنية على الإنتاج.

كما لم تُعلن الحكومة المصرية ما إذا كانت هناك اشتراطات بيئية أو تنموية تلزم الشركات الأجنبية بمعايير المساءلة والاستدامة وفقًا لمبادئ المسائل البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ("ESG")، أو ما إذا كانت هناك بنود لتوطين العمالة ونقل التكنولوجيا داخل مصر.

 

ثروة مصرية خارج السيطرة

يأتي هذا الاتفاق في وقتٍ تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية طاحنة وارتفاع مديونياتها الخارجية، بينما تُمنح ثرواتها الطبيعية على السواحل الشمالية – التي تمثل أحد أكبر مصادر الغاز المحتملة في شرق المتوسط – لجهات أجنبية.

ويرى خبراء الاقتصاد والطاقة أن الاعتماد المفرط على الامتيازات الأجنبية يجعل مصر أشبه بـ"المضيفة" لمواردها، بينما الأرباح تُعاد تحويلها إلى الخارج.

ويشير بعضهم إلى أن تجربة حقول الغاز السابقة مثل "ظهر" أثبتت أن الحصة الأكبر من الأرباح تذهب إلى الشركات الأجنبية المشغّلة، بينما لا يحصل المصريون إلا على عوائد رمزية، دون استفادة حقيقية في الصناعة أو فرص العمل أو دعم الخدمات العامة.

 

من الاستثمار إلى التبعية

في الخطاب الرسمي، يُقدَّم مثل هذا الاتفاق بوصفه إنجازًا في جذب الاستثمار الأجنبي، لكن واقع الحال يُظهر أن الاستثمار يتحول تدريجياً إلى شكل من أشكال التبعية الاقتصادية، حيث تُدار ثروات البلاد بأيدي غير مصرية وتُصدر أرباحها إلى الخارج.
المشكلة لا تكمن فقط في استحواذ شركة أجنبية على نسبة كبيرة من الامتياز، بل في غياب الرؤية الوطنية الشاملة التي تضمن أن تكون مثل هذه الشراكات أداة للتنمية لا للاستنزاف.

 

حتمية المراجعة والمساءلة

إن استمرار هذا النهج دون مراجعة يُهدد بتآكل حق الدولة في إدارة مواردها الطبيعية. المطلوب اليوم أن تُطرح هذه الاتفاقيات أمام الرأي العام، وأن يُعاد النظر في سياسات الامتياز بما يضمن:

  • زيادة نسبة الشراكة المصرية الفعلية في المشاريع الاستكشافية.
  • فرض شروط واضحة لتوطين التكنولوجيا والتدريب.
  • ربط الاستثمار الأجنبي بمشروعات تنموية في المناطق الساحلية القريبة من مناطق الامتياز.
  • تطبيق صارم لمعايير الشفافية والمساءلة البرلمانية في كل عقد يتعلق بثروات البلاد.

وفي النهاية يبقى استحواذ "قطر للطاقة" على 40% من منطقة شمال رفح مؤشرًا جديدًا على هيمنة رأس المال الأجنبي على قطاع الطاقة المصري. ورغم أن الحكومة تراه نجاحًا استثماريًا، إلا أن كثيرين يرونه تفريطًا ممنهجًا في موارد وطنية كان يمكن أن تكون ركيزة حقيقية للإنعاش الاقتصادي المحلي لو أُحسن إدارتها.