في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لخصخصة الشاطئ وتحويله من حق عام إلى سلعة عقارية، أصدرت الحكومة قرارًا جديدًا يقتضي بإدخال أجزاء من شاطئ البحر المتوسط ضمن كردون المباني في مدينة مرسى مطروح، وتحديدًا في مناطق حيوية مثل الرميلة، الليدو، ومحيط الكورنيش الجديد.

هذا القرار الذي صدر عن هيئة المجتمعات العمرانية بالتنسيق مع المحافظة، يفتح الباب أمام الشركات العقارية الكبرى لإنشاء منتجعات وأبراج سكنية فاخرة بمحاذاة الشاطئ، في مساحة كانت حتى وقت قريب متنفسًا عامًا لكل المصريين.

القرار أثار موجة من الجدل والغضب، ليس فقط بين السكان المحليين، بل في الأوساط البيئية والقانونية التي رأت فيه تعديًا واضحًا على الدستور والقانون، وانحيازًا فجًا للمستثمر على حساب المواطن والبيئة.

 

أين تقع المشكلة تحديدًا؟

القرار يخص مناطق محددة في مدينة مرسى مطروح، وتحديدًا الساحل الممتد من منطقة الرميلة شرقًا وحتى الليدو غربًا، وهي مناطق ساحلية مفتوحة تطل على البحر مباشرة.

هذه المناطق كانت تصنف – بحسب خرائط استخدامات الأراضي – كـمناطق خارج كردون المباني، ما يعني أنها محمية من التوسع العمراني بحكم القانون، وممنوع البناء عليها للحفاظ على الطبيعة والتوازن البيئي.

لكن مع هذا القرار، تم ضم هذه المناطق إلى الكردون العمراني، ما يسمح قانونيًا بالبناء، وتمهيد الأرض للبيع والتطوير العقاري.

المهندس أحمد عبدالخالق، وهو خبير تخطيط عمراني، وصف القرار بأنه “سابقة خطيرة تعني أن الدولة قررت رسميًا التخلي عن الشواطئ لصالح الخرسانة، وتحويل البحر إلى واجهة عقارية مربحة بدلًا من كونه مرفقًا عامًا للناس”.

 

ما هو الكردون ولماذا يعد القرار تهديدًا بيئيًا؟

الكردون هو خط التحديد القانوني الذي يفصل بين ما هو مسموح بالبناء عليه، وما هو محظور لأسباب بيئية أو زراعية. وضمّ شاطئ البحر داخل هذا النطاق يعني أن البحر لم يعد منطقة محمية.

الأستاذة مي صلاح الدين، باحثة في قضايا البيئة الساحلية، حذّرت من أن "إدخال مناطق الشاطئ إلى الكردون ينسف مبدأ الحماية البيئية، ويجعل أي بقعة أرض على الساحل قابلة للبيع، ما يفتح الباب أمام كارثة عمرانية وزحف خرصاني يصعب وقفه لاحقًا".

ووفقًا لها، فإن تأثير القرار لن يكون على البيئة فقط، بل على الحياة البحرية، وتآكل الشاطئ، وفقدان حق المواطنين في الوصول الحر إلى البحر.

 

صمت رسمي وغياب للشفافية

من اللافت أن هذا القرار لم يُعلن عنه في مؤتمر رسمي، ولم تُجر أي مشاورات مجتمعية حوله، كما لم يُعرض على البرلمان أو أي جهة رقابية بيئية مستقلة.

الحكومة تكتفي بترديد مصطلحات مثل “تطوير الساحل الشمالي” أو “تشجيع الاستثمار السياحي”، دون تقديم مبررات علمية أو دراسات جدوى بيئية للقرار.

الدكتور هاني رسلان، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية، علّق على هذا النمط من اتخاذ القرارات قائلاً: "ما يجري على الشواطئ المصرية هو تغليب مطلق للاعتبارات العقارية على التخطيط الحضري الرشيد. الدولة تروج لمفهوم التنمية على أنه بيع أراضي لا أكثر، متجاهلة الأبعاد الاجتماعية والبيئية".

 

من الخاسر؟ المواطن دائمًا

النتيجة الفعلية لهذا القرار أن المواطن المصري العادي لن يستطيع الجلوس على الشاطئ، أو السباحة فيه، أو حتى رؤيته. سيتم بناء سور هنا، وبوابة هناك، ورسوم دخول في كل مكان. ستتحول الواجهة البحرية بالكامل إلى مشروعات مغلقة للطبقة القادرة فقط.

المحامي البيئي علي الغزالي يرى أن "القرار لا يصادر فقط حق الناس في رؤية البحر، بل ينسف مبدأ الحق في المجال العام، ويعيد إنتاج فكرة الخصخصة الصامتة للثروة الطبيعية".

ويضيف أن قرارات من هذا النوع تُعد خرقًا مباشرًا للدستور المصري، الذي ينص على أن “الثروات الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بحمايتها وتنميتها”، متسائلًا: “هل خصخصة الشاطئ تقع تحت بند الحماية؟”.

 

هل من فرصة للتراجع؟

الاحتجاجات الشعبية والضغط الإعلامي قد تكون أدوات محدودة لكنها ضرورية. المطالب تتزايد بإعادة النظر في القرار، ووقف أعمال الحصر والمسوحات التي تسبق تحويل الأراضي لقطع استثمارية.

المهندسة منى العربي، خبيرة استدامة حضرية، تؤكد أن "الدولة ما زال بإمكانها تصحيح المسار، عبر فرض حزام أخضر على الشواطئ، ومنع البناء في نطاق لا يقل عن 200 متر من خط الساحل، كما هو معمول به في دول المتوسط".

وفي النهاية فما يجري في مرسى مطروح اليوم هو نقطة البداية فقط. دخول شاطئ البحر في كردون المباني يحوّل الساحل المصري من ذاكرة طبيعية إلى بوابة تجارية.
وإذا استمرت الحكومة في تغليب منطق البيع على الرؤية، والتوسع العقاري على العدالة البيئية، فإن الأجيال القادمة ستدفع الثمن من حقها في شاطئ مجاني، وهواء نقي، ومدينة لا تحاصرها الخرسانة من كل اتجاه.