كشفت وزارة الصحة والسكان، في أحدث تقاريرها الرقابية، عن نتائج صادمة لحملاتها المفاجئة على مصانع ومخازن بيع وتوزيع “اللانشون اللحمي” في عدد من المحافظات، بعد انتشار فيديو لبلوجر شهير حذّر فيه من تداول منتجات فاسدة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي.
ورغم أن الحملة الأخيرة أسفرت عن ضبط مخالفات جسيمة وفضحت غياب الرقابة في قطاعات الأغذية، إلا أن التساؤلات لا تزال تتصاعد: أين كانت الأجهزة المعنية طوال السنوات الماضية؟ ولماذا لم تتحرك إلا بعد انتشار الفيديو على مواقع التواصل؟
انفجار الغضب بعد فيديو بلوجر
بدأت القصة عندما نشر "البلوجر الأكيلانس" مقطعًا مصورًا على مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث فيه عن “كوارث” بعض أنواع اللانشون المنتشرة في الأسواق، مشيرًا إلى أن جزءًا منها يُباع دون بيانات أو علامات تجارية واضحة، وأن بعضها “ينبعث منه روائح كريهة” و”يتسبب في حالات تسمم”.
الفيديو أثار حالة من الذعر بين المواطنين، خصوصًا أن منتج “اللانشون” يُعد من الأطعمة الأساسية في كثير من البيوت المصرية، خاصة بين الأطفال وطلاب المدارس.
وخلال ساعات، انتشر المقطع بشكل واسع، لتضطر وزارة الصحة إلى تحريك حملة عاجلة شملت 9 محافظات، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي وطمأنة الرأي العام.
نتائج صادمة: 40% من المنشآت مخالفة وثلثها بلا ترخيص
ووفقًا لبيان رسمي صدر عن وزارة الصحة والسكان، فقد نفذت الإدارة العامة لمراقبة الأغذية حملات مكثفة في محافظات القاهرة، الجيزة، سوهاج، القليوبية، أسيوط، الدقهلية، الغربية، المنوفية، ودمياط.
وشملت الجولات تفتيش 246 منشأة لتخزين أو بيع أو عرض “اللانشون اللحمي”، وأسفرت النتائج عن أرقام مقلقة:
100 منشأة مخالفة للاشتراطات الصحية بنسبة 40%.
80 منشأة تعمل دون ترخيص بنسبة 32%.
358 عينة تم سحبها لتحليلها في المعامل المركزية للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية.
198 محضرًا حررت ضد المخالفين، وأُحيلت الوقائع إلى النيابة العامة لاستكمال التحقيقات.
هذه الأرقام، وفق مراقبين، لا تمثل مجرد نتائج لحملة تفتيش محدودة، بل تكشف خللًا هيكليًا في منظومة الرقابة الغذائية وغياب المتابعة المنتظمة التي يفترض أن تمنع وصول هذه المنتجات إلى موائد المواطنين.
كوارث صحية تهدد المواطنين
مصادر طبية أكدت أن تناول منتجات غير مطابقة للمواصفات قد يؤدي إلى تسمم غذائي حاد، أو مشكلات كبدية وكلوية مزمنة نتيجة احتوائها على مواد حافظة ونسب دهون متحللة ضارة بالصحة.
وقال خبير تغذية إن “اللانشون الرديء لا يفسد فقط بسبب سوء التخزين، بل أحيانًا يُصنّع من لحوم غير صالحة أو ملوثة، ما يشكّل خطرًا مباشرًا على الأطفال تحديدًا”.
وأضاف: “الأزمة ليست في منتج واحد، بل في ثقافة غياب الرقابة والضمير المهني، حيث لا يمكن تخيل أن ثلث منشآت بيع اللحوم المصنعة تعمل دون تراخيص رسمية”.
رقابة غائبة واستجابة متأخرة
اللافت في الحملة أن تحرك وزارة الصحة جاء بعد انتشار الفيديو بفترة قصيرة، ما دفع كثيرين للتساؤل:
“هل كانت الرقابة تنتظر بلوجر على مواقع التواصل ليدق ناقوس الخطر؟”.
عدد من الخبراء في سلامة الغذاء أكدوا أن نتائج التحاليل الأولية لعينات “اللانشون” أظهرت وجود نسب عالية من البكتيريا المسببة للتسمم الغذائي في بعض العينات، وهو ما يعكس إهمالًا واضحًا في تطبيق المعايير الصحية داخل بعض المصانع والمخازن.
وقال أحد مسؤولي الرقابة السابقين – طلب عدم ذكر اسمه – إن الوزارة تعتمد في حملاتها غالبًا على البلاغات أو الضغوط الإعلامية، مضيفًا أن “التفتيش المنتظم المفترض أن يكون بشكل دوري وليس بعد الضجة”.

