تشهد قرية كفر العجرمة التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية حالة من الهلع والذعر الشعبي بعد تداول منشورات وصور تزعم ظهور ثعابين ضخمة شبيهة بـ"الكوبرا" داخل الأراضي الزراعية المحيطة بالقرية. وبينما يعيش المواطنون على وقع الخوف والترقب، اختارت أجهزة الدولة المحلية كعادتها أن تتعامل مع الأزمة ببرود بيروقراطي وإنكار للواقع، ما يكشف عن فشل متكرر في منظومة الاستجابة السريعة للمخاطر البيئية والصحية في القرى المصرية.

 

خطر حقيقي يقابله صمت رسمي

 

منشورات الأهالي على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد شائعات موسمية، بل نداء استغاثة يعكس حالة الرعب التي يعيشها سكان القرية. فالأهالي يؤكدون مشاهدتهم ثعابين تتحرك بين الحقول والمنازل، وسط مخاوف من تسللها إلى البيوت أو مهاجمة الماشية، خصوصًا مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الحشائش الكثيفة التي تمثل بيئة خصبة لظهور الزواحف السامة.

 

ورغم هذه المؤشرات الواضحة على خطر بيئي وصحي، فإن الحكومة تعاملت مع الأمر كأنه إشاعة إلكترونية لا تستحق التحرك العاجل. لم تصدر تحذيرات رسمية، ولم يتم تطويق المنطقة أو توفير فرق طوارئ بيطرية وإنقاذية. واكتفت مديرية الطب البيطري ببيان إنشائي ينفي وجود بلاغات رسمية، وكأن حياة الناس لا تبدأ إلا عندما تصل ورقة مختومة إلى مكتب حكومي.

 

بيروقراطية تُهدد الأرواح

 

تكررت هذه الصورة كثيرًا في الريف المصري، حيث تتحول كل أزمة طبيعية إلى كارثة بيروقراطية بسبب ضعف التنسيق بين المديريات الخدمية وغياب نظام إدارة المخاطر المحلي. ففي حين يرفع المواطنون استغاثاتهم عبر الإنترنت، تكتفي الأجهزة الرسمية بالرد الورقي: "لم نتلق بلاغًا رسميًا حتى الآن".

 

هذا النمط من التعامل يُظهر انفصالًا تامًا بين الدولة ومواطنيها في القرى، ويؤكد أن الحكومة لا تتحرك إلا بعد الكارثة، لا قبلها.

 

الخبير البيئي د. محمد عبد الرازق يصف هذا المشهد بأنه "انعكاس لفقدان الثقة بين المواطن والدولة"، موضحًا أن تجاهل البلاغات الشعبية عبر وسائل التواصل يمثل "تقصيرًا إداريًا فادحًا"، لأن التكنولوجيا يجب أن تُستخدم كأداة إنذار مبكر لا كوسيلة إنكار.

 

اللجنة الفنية.. إجراء شكلي أم تحرك جاد؟

 

أعلنت مديرية الطب البيطري عن تشكيل لجنة فنية لفحص المنطقة، لكن هذه اللجان كثيرًا ما تتحول إلى أداة تهدئة إعلامية أكثر من كونها تدخلًا ميدانيًا حقيقيًا. فالبيان لم يذكر جدولًا زمنيًا واضحًا للتحقيق، ولا نوع الخبراء المشاركين، ولا الإجراءات الوقائية لحماية السكان إلى أن يُصدر التقرير النهائي.

 

الخبير الزراعي محمود مختار اعتبر تشكيل اللجنة "رد فعل متأخرًا لا يرقى لمستوى الحدث"، مؤكداً أن "المفترض في مثل هذه الحالات إرسال فرق طوارئ بيطرية خلال ساعات، لا أيام"، محذرًا من أن التأخر في التعامل مع الثعابين خلال فصل الصيف قد يؤدي إلى انتشارها على نطاق أوسع ويجعل السيطرة عليها شبه مستحيلة.

 

غياب التوعية والوقاية

 

الأهالي أطلقوا تحذيراتهم بأنفسهم على "فيسبوك" و"واتساب"، ووزعوا منشورات يدوية تطالب بعدم السماح للأطفال بالاقتراب من الأراضي المهجورة، بينما لم تُطلق الحكومة أي حملة توعية رسمية. فلا إرشادات من الوحدة المحلية، ولا حملات توعية عبر الإذاعة المحلية أو المساجد، رغم أن هذه الإجراءات البسيطة قد تنقذ أرواحًا.

 

الخبير في الشؤون المحلية عبد العظيم حسن يرى أن "الحكومة تتعامل مع المواطن الريفي باعتباره مشكلة إدارية لا إنسانًا يحتاج حماية"، مشيرًا إلى أن غياب ثقافة الاستجابة المجتمعية في مؤسسات الدولة جعل القرى المصرية عرضة لكل كارثة طبيعية بلا استعداد ولا أدوات.

 

عجز حكومي يعيد مشاهد الإهمال الريفي

 

قصة كفر العجرمة ليست سوى مثال جديد على تآكل مفهوم الدولة المحلية في مصر، حيث تحولت المديريات إلى هياكل شكلية لا تمتلك قرارًا فعليًا ولا أدوات تنفيذية. وبينما يعيش المواطنون حالة من الرعب من الثعابين، يعيش المسؤولون حالة من الجمود الإداري والتصريحات المتكررة التي تبدأ دائمًا بـ"نحن نتابع الموقف".

 

الخبير الاجتماعي سامح عطية علّق بأن "الإهمال في الاستجابة لمخاوف الناس يخلق فراغًا تملؤه الشائعات، ويزيد من فقدان الثقة في المؤسسات". وأضاف أن غياب التواصل الحقيقي بين الحكومة والمواطنين في الريف هو السبب الجوهري في اتساع فجوة الانفصال المجتمعي.

 

بين ذعر الأهالي وإنكار الحكومة، تكشف أزمة كفر العجرمة عن مشهد مألوف في القرى المصرية: دولة لا تسمع إلا الورق، ولا تتحرك إلا بعد وقوع الكارثة. وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطنون حلولًا واقعية تحميهم من خطر الزواحف السامة، تكتفي السلطات ببيانات باردة ولجان شكلية، تاركة الريف المصري وحيدًا في مواجهة الخوف، والإهمال، والثعابين.