حذّرت أربع وكالات تابعة للأمم المتحدة من أن السودان يعيش إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بعدما دخلت الحرب عامها الثالث وتسببت في نزوح أكثر من 9.6 ملايين شخص، بينما يحتاج أكثر من 30 مليون سوداني إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

 

وفي بيان مشترك صدر في أكتوبر 2025، قالت المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية اللاجئين واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي، إن أكثر من 900 يوم من الحرب والانتهاكات والمجاعة وانهيار الخدمات الأساسية دفعت البلاد إلى حافة الكارثة الإنسانية، محذرين من أن النساء والأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من دوامة العنف والجوع والدمار.

 

أزمة ممتدة بلا أفق – 900 يوم من الحرب والانهيار

 

يشهد السودان منذ أبريل 2023 حربًا طاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تحوّلت معها المدن إلى ساحات قتال مفتوحة وأدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية وانهيار شبه تام للخدمات الأساسية في معظم الولايات.

وأشار البيان إلى أن المجاعة لم تعد خطرًا محتملاً بل واقعًا فعليًا في بعض المناطق، خصوصًا في إقليم دارفور وجنوب كردفان والخرطوم، حيث لم يعد الغذاء والدواء متاحين سوى لفئات محدودة.

 

كما أكدت المنظمات أن القطاعين الصحي والتعليمي وصلا إلى حافة الانهيار الكامل، بعد تدمير أكثر من 70% من المرافق الصحية، وإغلاق آلاف المدارس بسبب انعدام الأمن ونزوح المعلمين والطلاب.

 

وقال البيان: "كل يوم إضافي من القتال يعني مزيدًا من الجوع، ومزيدًا من الموت، ومزيدًا من الأجيال المفقودة."

 

الأرقام تتحدث – 30 مليون محتاج و15 مليون طفل في خطر

 

وفقًا للتقديرات الأممية، فإن نحو ثلثي سكان السودان (أكثر من 30 مليون شخص) بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة تشمل الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى.

 

من بين هؤلاء، هناك 9.6 ملايين نازح داخليًا يعيشون في ظروف قاسية داخل البلاد، إضافة إلى نحو 15 مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد وحرمان من التعليم والخدمات الأساسية.

 

وأشار البيان إلى أن النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر للأزمة، حيث تتعرض النساء لمستويات مرتفعة من العنف الجنسي أثناء النزوح، بينما يُجبر الأطفال على العمل أو الانخراط في النزاعات المسلحة للبقاء على قيد الحياة.

 

وأوضحت الوكالات أن الوضع الراهن هو الأكبر من نوعه عالميًا من حيث عدد النازحين الداخليين، متجاوزًا أزمات سوريا واليمن وأوكرانيا في بعض المؤشرات.

 

بارقة أمل محدودة – عودة جزئية رغم الدمار

 

في مقابل الصورة القاتمة، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) عن عودة نحو 2.6 مليون نازح ولاجئ إلى مناطقهم بين أواخر 2024 وسبتمبر 2025، رغم استمرار الدمار وغياب الخدمات الأساسية.

 

وقالت نائبة مدير المنظمة، أوغوتشي دانيلز، إن عودة النازحين إلى الخرطوم تُعد "مؤشرًا على الصمود وتحذيرًا في الوقت نفسه"، موضحة أن العائدين يمثلون ربع عدد النازحين من العاصمة، ومعظمهم عادوا من مصر وجنوب السودان وليبيا.

 

وأضافت أن هذه العودة تمت غالبًا بدافع اليأس وليس الأمان، إذ لا يزال الوضع الإنساني هشًا للغاية، والبنية التحتية مدمّرة، بينما غابت القدرة الحكومية على تقديم أي دعم فعلي للعائدين.

 

نداء أممي عاجل – السودان يحتاج إلى تعبئة عالمية

 

في ختام البيان، دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحرك فوري وشامل لوقف التدهور الإنساني في السودان، مشيرة إلى أن البلاد تواجه "أزمة مركّبة غير مسبوقة" تتطلب استجابة عالمية منسّقة تشمل المساعدات الإنسانية والضغط السياسي لوقف الحرب.

 

وأكدت الوكالات الأربع أن استمرار النزاع يهدد بانفجار مجاعة شاملة خلال الأشهر المقبلة، إذا لم يتم تأمين ممرات إنسانية آمنة وتوفير التمويل اللازم للبرامج الإغاثية العاجلة.

 

وأوضحت أن برامج الأغذية العالمي اضطرت إلى تقليص عملياتها بنسبة 50% بسبب نقص التمويل، في وقت تتزايد فيه أعداد المحتاجين يوميًا، محذّرين من أن "العالم لا يمكنه أن يدير ظهره للسودان بينما يموت الملايين جوعًا وصمتًا."

 

وختاما فإنه بعد أكثر من 900 يوم من الحرب، يقف السودان اليوم على حافة انهيار شامل، حيث تتقاطع الكارثة الإنسانية مع غياب الحلول السياسية والضغوط الدولية المحدودة.

 

إن تحذير الأمم المتحدة ليس مجرد رقم أو بيان بيروقراطي، بل صرخة إنسانية في وجه عالم منشغل، تُذكّر بأن السودان يواجه واحدة من أكبر الأزمات في القرن الحادي والعشرين.

 

ورغم عودة بعض النازحين إلى الخرطوم ومناطق أخرى، فإن العودة الحقيقية تبدأ فقط عندما تتوقف الحرب ويُعاد بناء الإنسان قبل البنيان.

 

وفي ظل هذا المشهد المأساوي، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يتحرك العالم قبل أن يتحول السودان من بلد منكوب إلى أرض منسية بالكامل؟