في مشهدٍ لا يليق إلا بعصور النازية الأولى، ظهر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وهو يتجوّل بين الأسرى الفلسطينيين داخل سجن “نوتشافوت”، يصدر أوامره بصوتٍ متعجرف، ويهددهم بالإعدام.
المشهد الذي وثّقته الكاميرات أثبت للعالم من جديد أن إسرائيل لا تعرف سوى لغة الإذلال والعقاب الجماعي، وأن وزراءها يتفاخرون علنًا بممارساتٍ لو ارتُكبت في أي دولةٍ أخرى لأُحيل فاعلوها إلى المحاكم الجنائية الدولية فورًا.
وزير الفاشية: “الكل يجلس على الأرض كما يجب”
بوجهٍ جامدٍ خالٍ من أي بادرة إنسانية، قال بن غفير للمعتقلين: “الكل يجلس على الأرض كما يجب”، بينما جلس العشرات من الأسرى الفلسطينيين مقيدين في ظروفٍ مهينةٍ وصادمة. لم يكن المشهد مجرد تفتيش أو زيارة رسمية، بل عرضًا متعمدًا للقسوة والسلطة المفرطة. الوزير الإسرائيلي لم يكتفِ بإذلالهم، بل وجّه إليهم تهديدات مباشرة، مشيرًا إلى أنه “انتزع منهم كل شيء بسيط عمدًا”، قبل أن يسخر قائلاً: “لن تحصلوا على الشوكولاتة، المربى، التلفاز، والراديو”.
ذلك التعليق الساخر كان كفيلًا بكشف عقلية التعذيب الممنهج التي تحكم السجون الإسرائيلية، حيث يُمنع الفلسطيني من حتى أبسط ما يذكّره بإنسانيته. أما الخاتمة فكانت أكثر بشاعة: إذ دعا بن غفير علنًا إلى “إعدام المعتقلين”، واصفًا إياهم بـ”الإرهابيين”.
حماس: “سلوك سادي وفاشي يعكس طبيعة كيان الاحتلال”
لم يمرّ المشهد مرور الكرام. حركة حماس أصدرت بيانًا عبر قناتها على “تليغرام”، وصفت فيه الوزير الإسرائيلي بـ“الإرهابي الصهيوني المتطرف”، معتبرةً أن ما جرى “تجسيدٌ للسلوك السادي والفاشي الذي ينتهجه كيان الاحتلال بحق أسرانا الأبطال وشعبنا الفلسطيني”.
وأضاف البيان أن العالم أجمع شاهد بأمّ عينه حجم الإجرام الممنهج الذي يمارسه قادة العدو، الذين “تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء”، مشيرًا إلى أن جرائم التعذيب لم تقتصر على الأحياء، بل امتدت إلى الأموات الذين تُعاد جثامينهم مشوهة، “حتى بات التعرف عليهم مهمةً صعبةً بسبب فظاعة التنكيل الذي تعرضوا له”.
جثامين مشوهة.. والاحتلال يطمس الملامح
البيان الحمساوي جاء متزامنًا مع مأساة إنسانية أخرى؛ إذ شيّع مئات المواطنين في غزة 54 قتيلًا تسلمتهم وزارة الصحة عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد أن عجزت العائلات عن التعرف على ذويها بسبب طمس ملامحهم جراء التعذيب.
وكشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن إسرائيل أعادت جثثًا مشوهة لأسرى فلسطينيين احتُجزوا في مركز “سدي تيمان” العسكري بصحراء النقب، بعضها يحمل علامات خنقٍ وربطٍ حول العنق. وامتنعت الصحيفة عن نشر الصور “لبشاعتها التي لا تحتمل”، مؤكدة أن منظماتٍ حقوقية طالبت بتحقيقٍ دولي في عمليات القتل الممنهجة داخل ذلك المركز.
حفلة تعذيب.. وسجون بلا قانون
تؤكد تقارير حقوقية أن ما جرى في مركز “سدي تيمان” وغيره من سجون الاحتلال ليس استثناءً، بل جزء من منظومة إذلالٍ متكاملة. فالمعتقلون يُقيّدون بالأصفاد، وتُغطّى أعينهم، ويُربطون بأسِرّة المستشفيات، ويُجبرون على ارتداء الحفاضات.
تلك التفاصيل الفظيعة، التي وثّقتها صور وشهادات وتقارير سابقة في “الجارديان”، تكشف أن ما يسميه الاحتلال “إجراءات أمنية” ما هو إلا نظام تعذيب ممنهج يُدار بأوامر سياسية وبغطاء حكومي.
دعوات للتحقيق الدولي ومحاسبة القتلة
في مواجهة هذه الجرائم، طالبت حماس المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة بـ“التحرك الفوري لوقف انتهاكات الاحتلال بحق الأسرى والإفراج عنهم، ومنع إفلات مجرمي الحرب من العقاب، وسَوق قادة الاحتلال إلى المحاكم المختصة ومحاسبتهم على جرائمهم ضد الإنسانية”.
لكن، وكما في كل مرة، يصطدم النداء الفلسطيني بجدارٍ من الصمت الدولي والنفاق السياسي، حيث تواصل الحكومات الغربية تقديم الغطاء السياسي والمالي لدولةٍ تتصرّف وكأنها فوق القانون.
ابن غفير صورة مصغّرة من دولةٍ بلا ضمير
هكذا تكشف زيارة بن غفير للسجن عن جوهر إسرائيل الحقيقي: دولةٌ تستمتع بإذلال خصومها، وتتعامل مع الأسرى كحيوانات، ويقف وزيرها ليعلن صراحةً أنه سيحرمهم من “الشوكولاتة والمربى” وكأنها حرب على إنسانيتهم لا على أفعالهم.
لم يعد الاحتلال بحاجة إلى أن يُخفي وجهه البشع؛ فالمشهد واضح: وزير فاشي يهدد بالإعدام أمام الكاميرات، وجثث تعود مشوهة، وعالم يتفرج في صمت.
وهكذا، بينما تواصل حكومة الاحتلال تمثيل مسرحية “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، يواصل الفلسطينيون دفع الثمن بدمائهم وأجسادهم داخل زنازين الموت، والعالم يكتفي بالإدانة اللفظية أو الصمت المتواطئ.

