أثار اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بنائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس موجة من الانتقادات داخل الأوساط السياسية والإعلامية العربية، بعدما أعلن الطرفان توافقهما على "ضرورة نزع سلاح حماس" ضمن خطة أمريكية لتوسيع اتفاقات أبراهام.
المحادثات التي جاءت بعد زيارة فانس لتل أبيب، كشفت عن اصطفاف مصري متزايد مع التوجهات الأمريكية، ما أثار تساؤلات حول استقلالية الدور المصري وتخليه عن موقع الوسيط لصالح دور المنفذ السياسي. وفي المقابل، ردّت حماس بموقف ثابت رافضةً أي صيغة تستهدف المقاومة أو تُعيد إخضاع غزة لمعادلات الأمن الإسرائيلي.

 

تفاصيل اللقاء ومضامين التصريحات

أكد بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحفي مشترك مع فانس، أن "القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين لإعادة هيكلة الوضع الأمني في غزة وضمان ألا تُستخدم المقاومة ذريعة لاستمرار الصراع".
بينما شدد نائب ترمب على أن "الولايات المتحدة ترى ضرورة تفكيك البنية العسكرية لحماس كشرط أساسي لإعادة الإعمار وضمان أمن إسرائيل".
هذا التوافق، الذي بدا وكأنه بيان مشترك أكثر من كونه تفاهمًا دبلوماسيًا، أثار استياء قطاعات واسعة من الرأي العام، خصوصًا في ظل صمت القاهرة عن الاعتداءات اليومية الإسرائيلية، وغياب أي حديث عن العدالة أو إنهاء الاحتلال.

 

انتقادات واسعة: وساطة مصر تفقد مصداقيتها

يرى الخبير السياسي ياسر الزعاترة أن مصر باتت "تتصرف كوكيل سياسي لواشنطن في ملف غزة"، معتبرًا أن ما جرى بين عبد العاطي وفانس "ليس حوارًا دبلوماسيًا بقدر ما هو إملاء أمريكي وافقت عليه القاهرة".
ويضيف الزعاترة في تصريحات لموقع "وطن":
"حين يقف وزير الخارجية المصري أمام الإعلام ليكرر الخطاب الأمريكي عن تفكيك حماس، فذلك يعني أن مصر تخلت فعليًا عن حيادها، واندمجت في معسكر الضغط الذي يهدف إلى شطب المقاومة من المعادلة السياسية."

أما الصحفي الفلسطيني نظام المهداوي فيرى أن اللقاء يمثل "انقلابًا ناعمًا في الدور المصري"، موضحًا أن "القاهرة لم تعد تتحدث بلغة الوسيط، بل بلغة المنسق الأمني"، مؤكدًا أن تصريحات عبد العاطي "تُترجم رؤية إسرائيلية أكثر منها عربية".
ويضيف المهداوي أن "كل مسار اتفاقات أبراهام يُراد توسيعه على حساب الحقوق الفلسطينية، ومصر للأسف باتت الجسر الذي تُمرر عبره هذه السياسات".

 

غياب الرؤية الوطنية

من جانبه، يوضح الدكتور أيمن عبد الوهاب، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن الموقف المصري "يعكس أزمة في صناعة القرار الخارجي"، مشيرًا إلى أن "القاهرة أصبحت تُدير الملف الفلسطيني من منظور أمني بحت، وليس من منظور قومي أو استراتيجي".
ويتابع: "مصر الآن بين ضغوط أمريكية واقتصادية من جهة، وحسابات داخلية من جهة أخرى، لكنها باختيارها هذا المسار تفقد احترامها في الشارع العربي، وتخسر دورها التاريخي الذي بُني منذ اتفاقية أوسلو كوسيط رئيسي."

أما المؤرخ والمحلل السياسي بشير نافع، فاعتبر في حديث لقناة الحوار أن "موقف حماس الحالي هو الأكثر اتزانًا في المشهد"، مضيفًا أن "ثبات المقاومة رغم كل الضغوط هو ما يمنحها شرعية أخلاقية وسياسية، بينما الأنظمة العربية تخسر يومًا بعد يوم قدرتها على تمثيل شعوبها".

 

ثبات حماس في وجه الإملاءات الأمريكية

ردّت حركة حماس على التصريحات المشتركة ببيان حاد قالت فيه إن "الحديث عن إعادة إعمار غزة مقابل نزع سلاح المقاومة هو ابتزاز سياسي مرفوض"، مؤكدة أن "الاحتلال هو مصدر كل عدم استقرار، وأن أي حلول تتجاهل حق الشعب الفلسطيني في مقاومته لا يمكن أن تنجح".
ويشير مراقبون إلى أن الموقف الحازم للحركة جاء كرسالة مزدوجة لواشنطن والقاهرة بأن المقاومة لن تُستدرج إلى أي مشروع يُفرغها من مضمونها.

 

التحليل: من الوساطة إلى الوكالة السياسية

تشير المؤشرات الحالية إلى أن اللقاء بين عبد العاطي وفانس ليس مجرد تنسيق دبلوماسي، بل خطوة ضمن إعادة تموضع إقليمي تسعى فيه واشنطن لدمج مصر والأردن والسعودية في مشروع "ما بعد غزة"، بحيث تُدار المنطقة وفق ضمانات أمنية لصالح إسرائيل.
ويرى محللون أن القاهرة اختارت موقع “المتعاون الأمني” بدلًا من “الضامن العربي”، وهو تحول خطير يهدد بفقدان مكانتها الإقليمية ويفتح الباب أمام مزيد من الارتهان للنفوذ الأمريكي مقابل الدعم المالي.

 

ختاما فاللقاء الذي جمع بدر عبد العاطي بنائب ترمب مثّل لحظة كاشفة لسقوط الخطاب الدبلوماسي المصري في فخ الاصطفاف الكامل مع واشنطن وتل أبيب.
في المقابل، قدّمت حماس نموذجًا نادرًا في الثبات والرفض رغم الحصار والضغوط. وبين حكومة تُساوم على المواقف ومقاومة تُدافع عن المبادئ، يظل المشهد شاهدًا على اتساع الفجوة بين “الرسميات العربية” و“الشارع العربي”، الذي لم يعد يثق في وعود الأنظمة، لكنه لا يزال يؤمن أن فلسطين لا تُحرر من غرف المؤتمرات، بل من ميادين الثبات والمقاومة.