في الوقت الذي يروّج فيه إعلام السلطة لوعود عبد الفتاح السيسي حول "قوة الاقتصاد واستقرار العملة"، كشفت وكالة رويترز في استطلاع حديث عن توقعات مغايرة، تُشير إلى أن الجنيه مرشح لتراجع جديد أمام الدولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، مدعوماً برؤية متشائمة من مؤسسات مالية دولية كـ"صندوق النقد الدولي" و"فيتش سوليوشنز"، رغم محاولات رسمية للتهليل بما يوصف بـ"استقرار الجنيه المؤقت".
تراجع متواصل رغم الوعود الرسمية
وفقًا لاستطلاع رويترز الذي شمل 16 خبيرًا اقتصاديًا بين 6 و20 أكتوبر 2025، فإن الجنيه سيواصل الهبوط ليصل إلى 49.85 جنيه للدولار بنهاية يونيو 2026، مقارنة بـ47.5 جنيه حاليًا، على أن يواصل التراجع إلى 52 جنيهًا في يونيو 2027، ثم إلى 54 جنيهًا بحلول يونيو 2028.
ورغم ذلك، توقّع الخبراء المشاركون أن يحقق الاقتصاد المصري نموًا بنسبة 4.6% في العام المالي 2025/2026، مدفوعًا بتراجع التضخم وأسعار الفائدة، وزيادة الصادرات نتيجة انخفاض قيمة العملة.
هاني جنينة: "قوة الجنيه ليست بالضرورة خيرًا"
وفي تعليقٍ على وضع العملة، رأى الخبير الاقتصادي هاني جنينة أن انخفاض الدولار تحت 45 جنيهًا قد يضر بالاقتصاد المصري، لأن قوة الجنيه ستجعل الصادرات المصرية أقل تنافسية في الخارج.
وأوضح جنينة، في مقابلة مع العربية بيزنس بتاريخ 30 سبتمبر 2025، أن البنك المركزي سيتدخل في هذه الحالة بشراء دولارات للحفاظ على التوازن في السوق.
وفي توقعاته الأخيرة في أكتوبر، رجّح أن يكون السعر العادل والمتوازن للجنيه بين 46 و47 جنيهًا للدولار، معتبرًا أن ذلك يعكس منطقًا اقتصاديًا أقرب إلى الواقع.
الذكاء الاصطناعي يرصد "ثلاثة عوائق هيكلية"
تحليلات اقتصادية مبنية على تقارير الذكاء الاصطناعي رصدت تحديات هيكلية تحول دون تحقيق سيناريو التحسن المنشود للجنيه، من أبرزها:
ضعف القدرة التصديرية: رغم أن تراجع الجنيه أمام اليورو قد يعزز تنافسية الصادرات، إلا أن معظم القطاعات المصرية تفتقر إلى القيمة المضافة العالية، في ظل تباطؤ الطلب الأوروبي وارتفاع تكاليف الإنتاج والطاقة والنقل.
تقلبات رؤوس الأموال الأجنبية: أشارت التقارير إلى أن تدفقات الأموال للأسواق الناشئة تعتمد على الاستقرار السياسي والتصنيف الائتماني ومعدلات الفائدة، وهي عوامل ما زالت تُشكل عبئًا على الاقتصاد المصري بسبب ارتفاع الدين الخارجي ومحدودية الثقة الاستثمارية.
التحسن غير المستدام للجنيه: التحسن الطفيف الذي شهده الجنيه في بعض الفترات قد يكون مؤقتًا، مرتبطًا بتدفقات مالية استثنائية مثل الاستثمارات الإماراتية أو القروض الدولية، وليس نتيجة تحسن حقيقي في الإنتاج أو الصادرات.
"تهليل إعلامي" وواقع مختلف
وفي قراءة نقدية لخطاب الإعلام الحكومي، أبدى المستشار الدكتور مراد علي استغرابه من "احتفاء الإعلام كلما تحسن الجنيه ببضعة قروش أمام الدولار"، معتبرًا ذلك تهليلًا يتجاهل الواقع.
وأوضح علي أن الجنيه لم يتحسن فعليًا إلا بنسبة 1% خلال عام كامل، بينما تراجع أمام اليورو بنحو 3% في الفترة ذاتها.
وأشار إلى أن ما يُروّج له كـ"استقرار في سعر الصرف" هو في الحقيقة نتيجة تدخلات من البنك المركزي وتراجع في حجم الاستيراد، إلى جانب تدفقات مالية مؤقتة مثل صفقة بيع منطقة رأس الحكمة، محذرًا من أن هذا الاستقرار "ليس حقيقيًا بل هدنة مؤقتة".
تباين التوقعات الدولية.. واتفاق على "الضغوط المستمرة"
التقارير الدولية أجمعت، رغم اختلاف أرقامها، على أن الجنيه سيظل تحت ضغط كبير خلال الأعوام القادمة:
صندوق النقد الدولي: توقع وصول الدولار إلى 54.05 جنيه في 2026، مقابل 51.48 في 2025، مع نمو اقتصادي بنسبة 4.5% وتراجع التضخم إلى 11.8%.
فيتش سوليوشنز: رجّحت أن يتراوح سعر الصرف بين 50 و55 جنيهًا للدولار خلال العام المالي الحالي، ليستقر عند 52.5 جنيهًا بنهاية 2025، مستندة إلى سياسة الصرف المرنة.
BTCC Academy: توقعت أن يبدأ البنك المركزي خفض أسعار الفائدة تدريجيًا في نهاية 2025، مع انخفاض التضخم من 20% إلى 12%، ما قد يمنح الجنيه دعمًا متوسط المدى.
NAGA: توقعت استمرار الفائدة المرتفعة مؤقتًا للحفاظ على توازن السوق، على أن تتراجع تدريجيًا إلى 15–20% بحلول 2026.
مؤسسات مالية كبرى: تحرير الصرف ضرورة لا مفر منها
وأشارت مؤسسات مثل HSBC وGoldman Sachs إلى أن تحرير سعر الصرف بشكل كامل سيؤدي إلى تراجع مؤقت للجنيه لكنه خطوة ضرورية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق توازن نقدي طويل الأمد.
في المقابل، ترى Capital Economics أن الجنيه سيظل ضعيفًا بسبب "الضغوط التمويلية الخارجية وارتفاع الدين العام"، ما لم تُنفّذ إصلاحات إنتاجية حقيقية تعزز التصدير وتقلص الفجوة التجارية.

