يعرض موقع Decode39 في تقريره تفاصيل القمة الأولى من نوعها بين الاتحاد الأوروبي ومصر، حيث التقى رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين برئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، معلنين ميلاد ما وصفوه بـ"محور جديد في البحر المتوسط". ورغم اللغة الوردية التي يغلف بها التقرير هذا التحالف، يكشف السياق الحقيقي اتفاقًا يقوم على مقايضة سياسية واضحة: المال الأوروبي مقابل الصمت المصري، والشرعية الدبلوماسية مقابل غضّ الطرف عن القمع الداخلي.

يشير الموقع إلى أن الاتحاد الأوروبي يرى في مصر "ركيزة استقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ويتعامل مع السيسي بوصفه "شريكًا لا غنى عنه" في ملفات الهجرة والطاقة وتهدئة الأزمات، وعلى رأسها حرب غزة. ويصف التقرير القمة بأنها "بداية لشراكة مالية وهيكلية ضخمة"، بقيمة إجمالية تبلغ 7.4 مليارات يورو، منها 4 مليارات كمساعدات مالية كبرى، و200 مليون للهجرة وضبط الحدود، و75 مليونًا لمشروعات اجتماعية، إضافة إلى 110 ملايين للتنمية المستدامة. لكن هذه الأرقام تخفي وراءها اختلالًا أخلاقيًا صارخًا: أوروبا تُكافئ نظامًا يواجه أزمات اقتصادية خانقة، وارتفاعًا قياسيًا في التضخم، وانهيارًا متواصلًا في قيمة الجنيه، مع سجل حقوقي هو الأسوأ في تاريخ البلاد الحديث.

تُشيد فون دير لاين في التقرير بـ"قوة الشراكة" وتصفها بأنها "فرصة للاستقرار والازدهار"، فيما يردد كوستا الشعارات ذاتها عن "السلام المشترك"، بينما يتجاهلان حقيقة أن هذا الاستقرار يقوم على تكميم الأفواه وسجن المعارضين، لا على التنمية أو العدالة الاجتماعية. فالقاهرة بالنسبة لبروكسل لم تعد مركزًا حضاريًا أو سياسيًا، بل أصبحت حاجزًا جغرافيًا يمنع تدفق المهاجرين نحو الشمال، ويؤمّن مصالح الطاقة في شرق المتوسط.

يوضح التقرير أن الاتحاد الأوروبي اختار رسميًا التخلي عن "اشتراطات الديمقراطية وحقوق الإنسان" في شراكاته الجديدة. وينقل عن مسؤول أوروبي قوله إن المفوضية "تتحرك نحو مقاربة أكثر شمولية وأقل شرطية، لكنها أكثر فاعلية على المدى الطويل"، وهي عبارة دبلوماسية تُخفي قبولًا أوروبيًا بالتعامل مع الأنظمة السلطوية ما دامت تحقق المصالح الأمنية.

يستعرض التقرير أيضًا خطة "الربط المتوسطي" التي تروّج لها مدرسة LUISS الإيطالية، وتدعو إلى تحويل التعاون بين روما والقاهرة إلى محور اقتصادي لربط أوروبا بأفريقيا. مصر من وجهة نظرهم "المركز الجنوبي" الذي يملك قناة السويس وحقول الغاز، وروما هي "المرساة الشمالية" للطاقة والبيانات. لكن التقرير لا يذكر أن معظم هذه المشاريع تقوم على الديون، وأن المصريين يعانون تضخمًا يتجاوز 35% ونقصًا في السلع الأساسية، بينما تُقدَّم بلادهم في بروكسل كـ"نموذج للاستقرار".

من المثير أن التقرير يحتفي بزيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني المرتقبة للقاهرة لحضور افتتاح المتحف المصري الكبير، باعتبارها "رمزًا للتحالف الجديد". يصف الموقع الزيارة بأنها "إشارة استراتيجية" تهدف إلى ربط خطة "ماتي" الإيطالية لأفريقيا بالشراكة الأوروبية–المصرية، وهي خطة تُقدَّم تحت شعار "التنمية العادلة"، لكنها عمليًا تعيد إنتاج النموذج الاستعماري نفسه: أوروبا تموّل المشروعات وتستخرج الفائدة، بينما يتحمل الجنوب المخاطر والديون.

يمتدح التقرير دور السيسي في "الوساطة من أجل وقف إطلاق النار في غزة" ويعتبره "جهدًا لا يقدر بثمن"، لكنه يتجاهل أن القاهرة لم تضغط لإنهاء الحصار أو محاسبة إسرائيل، بل تبنّت خطابًا أمنيًا يحمّل الفلسطينيين مسؤولية أزمتهم. هذا المديح الأوروبي للسيسي ليس مكافأة على السلام بقدر ما هو ثمن لحراسة حدود أوروبا الجنوبية.

في خلفية هذا "المحور المتوسطي" تختبئ حقائق لا يذكرها التقرير: مصر تواجه أزمة ديون خارجية تجاوزت 170 مليار دولار، وعجزًا في الموازنة يبتلع أكثر من نصف إيرادات الدولة، بينما تُنفق الحكومة مليارات على مشروعات إنشائية بلا عائد حقيقي. ومع ذلك، تصف بروكسل القاهرة بأنها "الشريك الأكثر استقرارًا"، في تناقض صارخ مع الواقع.

يطرح التقرير رؤية أوروبية تعتبر المنطقة "ساحة تنافس مع الصين وروسيا والخليج"، ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يحاول عبر السيسي استعادة نفوذه المفقود في الجنوب عبر المال والموانئ وصفقات الطاقة. لكنه يغفل أن الاستقرار المبني على القمع هشّ بطبيعته، وأن المراهنة على الأنظمة السلطوية أثبتت فشلها مرارًا، من ليبيا إلى تونس.

في النهاية، يقدم تقرير Decode39 قراءة براقة لاتفاقٍ يخفي جوهرًا غير أخلاقي: أوروبا لا تبحث عن شريك ديمقراطي، بل عن حارس حدود يُنفذ أوامرها. وتغليف هذه الصفقة بعبارات مثل "الشراكة الاستراتيجية" أو "السلام المشترك" لا يغيّر من حقيقتها شيئًا — إنها تحالف مصالح قصيرة الأمد على حساب قيم العدالة وحقوق الإنسان، وتأكيد جديد على أن الاتحاد الأوروبي اختار أن يرى في الاستبداد استقرارًا، وفي الصمت تعاونًا، وفي القمع شريكًا.

https://decode39.com/12179/eu-egypt-the-new-mediterranean-axis/