في الوقت الذي تتفاقم فيه معاناة العمال المصريين تحت وطأة الغلاء وارتفاع أسعار الوقود، تواصل الحكومة التهرب من مسؤولياتها تجاه تحسين أوضاعهم المعيشية، مكتفية بتصريحات شكلية ودراسات مؤجلة لا تعكس حجم الأزمة الحقيقية. وبينما تتصاعد الأصوات البرلمانية والنقابية المطالبة برفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى يضمن حياة كريمة، تصر الحكومة على التذرع بمبررات "الاستدامة الاقتصادية" و"قدرة القطاع الخاص"، متجاهلة واقع العمال الذين يواجهون الجوع والتهميش في ظل سياسات تقشفية قاسية.
العمال يدفعون ثمن تقاعس الحكومة
شهدت مصر خلال الأشهر الأخيرة موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار بعد زيادة أسعار الوقود، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل والسلع والخدمات الأساسية بشكل حاد. ومع ذلك، ظل الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص ثابتًا عند (3,000 جنيه)، وعدم تطبيقه لـ 7000 الاف جنيه رغم اقرار السيسي بذلك وهو رقم لا يكفي لتغطية حتى الاحتياجات الأساسية لأسرة متوسطة، بحسب تقديرات النقابات العمالية.
ورغم مطالبة النواب والنقابات برفع الحد الأدنى إلى (9,000 جنيه)، ترفض الحكومة التحرك الجاد، مكتفية بتصريحات عن "ضرورة الدراسة" و"مراعاة ظروف أصحاب الأعمال". هذه اللغة البيروقراطية التي تكررها الوزارات المعنية لم تعد تُقنع أحدًا، بل تكشف عن نية حقيقية لترك العمال يواجهون مصيرهم دون حماية أو دعم.
تجاهل برلماني أم تعمد حكومي؟
المناقشات البرلمانية الأخيرة لم تكن سوى مرآة لعجز الحكومة. النواب والنقابيون أشاروا إلى أن السياسات الاقتصادية الحالية خلقت فجوة واسعة بين الأجور والأسعار، وأن الحكومة تتعمد تأجيل أي قرارات حقيقية يمكن أن تخفف الضغط عن المواطنين.
فالحد الأدنى الحالي لا يواكب أبسط تكاليف الحياة، ومع ذلك ترفض الحكومة ربط الأجور بمعدلات التضخم أو بتغيرات السوق، ما يعني أن الأجور ستظل تتآكل عامًا بعد عام. وفي الوقت نفسه، يغيب الدور الرقابي للمجلس الأعلى للأجور، الذي يفترض أن يضمن تطبيق الحد الأدنى في القطاع الخاص، لكنه تحول إلى جهاز صامت يبرر الواقع بدلًا من تغييره.
ذريعة "القطاع الخاص" للهروب من الإصلاح
تُبرر الحكومة تراجعها عن زيادة الأجور بحجة حماية "القطاع الخاص" من التعثر، في حين أن كثيرًا من هذه المنشآت تحقق أرباحًا ضخمة دون أن تلتزم بأي عدالة في توزيعها. ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الحكومة تستخدم هذه الذريعة لتغطية فشلها في فرض سياسات عادلة تحمي العامل وتوازن بين المصلحة العامة والربح الخاص.
فالحديث عن "الخوف من تسريح العمال" لم يعد مقنعًا في ظل واقعٍ يشهد طردًا جماعيًا غير معلن بسبب انخفاض القدرة الشرائية وتراجع الطلب. والنتيجة أن العامل يدفع الثمن مرتين: مرة بانخفاض الأجر، ومرة بفقدان الأمان الوظيفي.
المجتمع المدني والنقابات: الحكومة تترك العمال للجوع
النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني تواصل التحذير من أن استمرار تجاهل أزمة الأجور سيقود إلى انفجار اجتماعي. فالأسر العاملة لم تعد قادرة على تحمل أعباء المعيشة بعد أن تضاعفت أسعار البنزين والمواصلات والسلع التموينية.
وترى هذه الجهات أن الحكومة تتعمد تحميل المواطن نتائج سياساتها الاقتصادية الفاشلة، بينما تمتنع عن اتخاذ قرارات حقيقية لإعادة التوازن بين الدخل والإنفاق. بل وتواصل رفع الأسعار دون أن تقدم أي دعم مباشر أو حماية للعامل الذي يُفترض أنه عصب الاقتصاد.
سياسات الهروب من الحل
إن المماطلة الحكومية في تعديل الحد الأدنى للأجور ليست إلا انعكاسًا لمنهج عام في إدارة الأزمات يقوم على التهرب والتأجيل. فبدلًا من مواجهة الواقع بشجاعة وإعادة توزيع الأعباء بعدالة، تكتفي الحكومة بإلقاء اللوم على السوق والقطاع الخاص وصندوق النقد.
الحقيقة أن رفع الحد الأدنى إلى (9,000 جنيه) لم يعد مطلبًا نقابيًا فحسب، بل ضرورة وطنية لإنقاذ ملايين العمال من الفقر. أما استمرار الحكومة في سياسة التجاهل فهو إعلان صريح بأنها تخلت عن مسؤوليتها الاجتماعية وتركت المواطن وحيدًا في مواجهة الغلاء، ليصبح السؤال: إلى متى تتهرب الحكومة من واجبها في حماية من يصنعون ثروة هذا الوطن؟

