أعلنت إثيوبيا مؤخرًا أن نسبة إنجاز سد كويشا للطاقة الكهرومائية وصلت إلى أكثر من 70٪، مع حصولها على تمويل جديد يقارب مليار دولار لاستكمال المرحلة الأخيرة من المشروع، لتؤكد مجددًا مضيها في خطة بناء السدود العملاقة دون أي اعتبار للاعتراضات المصرية أو السودانية.

هذا التطور الجديد يعيد إلى الواجهة عجز قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي وحكومته عن مواجهة التوسع الإثيوبي في استغلال الموارد المائية، بعد أن اكتفت القاهرة لسنوات طويلة بالتصريحات الهادئة والمفاوضات الشكلية التي لم تحقق أي نتائج ملموسة.

ويُعد سد كويشا ثاني أكبر سد في إثيوبيا بعد سد النهضة، بارتفاع 128 مترًا وسعة تخزين تبلغ 9 مليارات متر مكعب، ما يجعله أحد أبرز مشاريع الهيمنة المائية التي تتبناها أديس أبابا في القرن الإفريقي.

 

القاهرة فقدت أوراق الضغط
يرى الخبير المائي الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن إثيوبيا تمارس سياسة مائية توسعية تتجاوز حدود التنمية إلى السيطرة السياسية.
ويؤكد أن الحكومة المصرية فقدت معظم أوراقها التفاوضية بسبب سوء الإدارة وطول الانتظار، مشيرًا إلى أن "مصر تتعامل بردود فعل متأخرة، بينما إثيوبيا تبني وتفرض الأمر الواقع".
ويضيف شراقي أن بناء سد كويشا بعد النهضة “ليس صدفة”، بل جزء من خطة إثيوبية متكاملة تهدف إلى امتلاك السيطرة على منابع المياه وتحويلها إلى أداة ضغط سياسي على مصر والسودان.
ويحذر من أن استمرار التراخي المصري يعني أن القاهرة "لن تملك مستقبلاً سوى التعايش مع واقع فرضته أديس أبابا منفردة".

 

تحذيرات سودانية من مخاطر كارثية
من جانبه، يؤكد الخبير السوداني المهندس حسن الطيب أن مشاريع السدود الإثيوبية تحمل مخاطر فنية وبيئية كبرى على السودان ومصر معًا، مشددًا على أن غياب الشفافية في التشغيل ومعايير الأمان "قد يؤدي إلى كوارث مائية إذا حدث أي خلل أو انهيار جزئي".
ويرى الطيب أن غياب التنسيق الإقليمي هو السبب الرئيس في تفاقم الأزمة، مشيرًا إلى أن “إثيوبيا ترفض أي التزام بالقانون الدولي، بينما تكتفي مصر بإرسال الوفود والبيانات الصحفية”.
ويضيف أن السدود الجديدة، بما فيها كويشا، تُنفذ "بمنطق سياسي وليس اقتصادي"، وأن القاهرة “لم تنجح في بناء جبهة ضغط موحدة مع الخرطوم رغم وحدة المصير”.

 

فشل حكومي ودبلوماسية صامتة
تكشف التطورات الأخيرة عن عجز واضح في الدبلوماسية المصرية التي فشلت في تحويل الأزمة إلى قضية دولية مؤثرة داخل الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي.

ففي حين نجحت أديس أبابا في جذب التمويل الدولي ودعم بعض القوى الكبرى، بقيت القاهرة رهينة ردود الأفعال والتصريحات المكررة عن “الحقوق التاريخية في مياه النيل”.

وتتهم مصادر دبلوماسية سابقة الحكومة المصرية بانتهاج "سياسة الصمت المريح" التي تفتقر لأي رؤية استراتيجية حقيقية، معتبرة أن الملف المائي تحول إلى عبء سياسي يتم تجاهله بدلًا من مواجهته.

 

أزمة قيادة أم أزمة إرادة؟
يتفق الخبراء على أن ما يحدث اليوم ليس أزمة تفاوض، بل أزمة قيادة وإرادة سياسية، فالحكومة التي تنشغل بالمشروعات الداخلية الضخمة، تتجاهل الخطر الوجودي القادم من الجنوب، بينما تتوسع إثيوبيا في بناء أكثر من مئة سد جديد وفق خطتها المعلنة.

ويرى الدكتور عباس شراقي أن استمرار هذا الوضع “سيحول مصر من دولة نهرية محورية إلى دولة عطشى تبحث عن قطرة”، مؤكدًا أن "التحركات البطيئة لا تحفظ حقوقًا، بل تضيعها تدريجيًا تحت مسمى التفاوض".
ختاما مع وصول سد كويشا إلى مراحله النهائية، يبدو أن القاهرة تخسر معركة النيل بصمت، فإثيوبيا ترسم خريطة المياه في إفريقيا بإرادة سياسية واضحة، بينما تكتفي الحكومة المصرية بمتابعة الأخبار وإصدار البيانات.

إن اكتمال كويشا بنسبة 70٪ ليس مجرد إنجاز هندسي إثيوبي، بل إنذار سياسي لمصر: أن زمن النفوذ القديم انتهى، وأن من لا يملك خطة دفاع حقيقية عن أمنه المائي، سيستيقظ ذات يوم ليجد النيل نفسه قد خرج من قبضته.