شهدت محافظة قنا إحالة سبعة من كبار مسؤولي الزراعة للنيابة العامة بتهم متعلقة باستيلاء على الأسمدة المدعمة وتكرار صرفها لمزراعين من أصحاب الحيازات الوهمية وتحصيل مبالغ مالية بغير حق، في قضية وُصفت بأنها من أكبر قضايا الفساد الزراعي هذا العام.

هذه الواقعة ليست استثناءً في قنا، بل تعكس نمطاً متكرراً من الفساد في جميع محافظات الجمهورية، وسط عجز الرقابة وتفاقم معاناة الفلاحين أمام جشع شبكات تهريب الأسمدة وغياب العدالة في توزيع الدعم.

 

تفاصيل قضية قنا: فساد مؤسسي وأدوار متعددة

قامت لجان رقابية باكتشاف مخالفات ضخمة داخل الجمعية الزراعية بقرية العسيلية بقنا، منها صرف أسمدة لحيازات مكررة وتحصيل أموال من الفلاحين خارج المنظومة القانونية، بالإضافة إلى تواطؤ عدد من مسؤولي الإدارة والجمعية في عمليات الصرف الوهمي أو تسهيل استيلاء آخرين على حصص لا يستحقونها. وقد أكد وزير الزراعة علاء فاروق أن الوزارة لن تتهاون مع أي محاولة لتحويل الدعم إلى مكاسب غير مشروعة لمسؤولين أو سماسرة، وأعقب القرار بحملات تفتيش شاملة في باقي المحافظات لضبط شبكات التلاعب والتسريب.

 

الفساد في الأسمدة ظاهرة عامة بمصر
ليست واقعة قنا سوى واحدة من سلسلة طويلة تعاني منها معظم المحافظات:

في كفر الشيخ، يضطر الفلاحون للجوء إلى السوق السوداء بسبب اختفاء الأسمدة الرسمية أو بيعها بأسعار باهظة أو مغشوشة، ويرتفع سعر الشيكارة الحرة أحياناً لقرابة سبعة أضعاف المدعمة.

كشفت حملات تفتيش في الجيزة عن مصانع غير مرخصة تخلط مواد كيميائية ضارة لصنع أسمدة مغشوشة تباع على نطاق واسع، مما يهدد صحة المحاصيل والمستهلكين.
رُصدت تجاوزات مماثلة في المنيا، حيث يستغل مسؤولون ثغرات الكارت الذكي والتلاعب في أوراق الحيازة لتصريف كميات ضخمة خارج القنوات الرسمية لمصلحة كبار التجار على حساب الفلاحين الصغار.

 

ضعف الرقابة يعزز شبكات التلاعب
ترجع أسباب استفحال الفساد إلى ضعف الرقابة المركزية والمحلية وهشاشة منظومة التوزيع باستخدام البطاقات الذكية، والتي استطاع الفاسدون "اختراقها وجعل الكارت في أيدي من لا يستحق"، وفق شهادات مزارعين. كما تسارع الشركات المنتجة إلى تصدير الجزء الأكبر من الإنتاج الرسمي بحثاً عن الأرباح، فيما يتبخر ما تبقى بين مخالب وسطاء السوق السوداء بسبب تقاعس بعض الجمعيات الزراعية في صرف كامل حصص الدعم للمستحقين.

 

لماذا يتكرر المشهد في كل المحافظات؟
هناك انهيار في منظومة الشفافية، حيث تتلقى الوزارة الشكاوى دون أن يحدث تغيير حقيقي أو مساءلة حاسمة، وتُبعد التحقيقات غالباً عن المسؤولين الكبار حتى تتكرر الدورة مجدداً كل موسم.

غياب عقوبات رادعة وشبكة تضامن بين بعض مسؤولي الجمعيات المحلية والمتورطين في بيع أو تهريب الأسمدة المدعمة.
أسباب هيكلية كضعف أجور الموظفين ووجود حوافز مالية ضخمة للفساد أمام ضعف الرقابة وعدم إنفاذ العقوبات بسرعة.

 

التوصيات المطلوبة للواقع الزراعي
الإجراءات الأخيرة –رغم أهميتها– تظل غير كافية إذا لم تُصاحبها شفافية في إعلان نتائج التحقيقات ورد الأموال المنهوبة وإحالة كبار المتورطين إلى المحاسبة باستثناء الشبكات الوسيطة فقط. كما يجب تفعيل دور الرقابة المجتمعية والمزارعين بالشكاوى الجماعية، والانتقال من الحملات الموسمية إلى إصلاحات هيكلية في إدارة ملف الأسمدة والدعم الزراعي بشكل مستدام في جميع المحافظات.

باختصار، قضية قنا هي حلقة في مسلسل متصل من الفساد الزراعي يضرب كل أرجاء مصر ويطعن بقسوة جهود دعم الفلاحين وأمن الغذاء، ولن تنتهي إلا بإرادة سياسية حقيقية تعيد وضع الفلاح البسيط في القلب من السياسات الزراعية لا على هامشها.