بينما تستعرض حكومة مصطفى مدبولي نجاحاتها في زيادة الصادرات من الفحم، يعاني الريف المصري من آثار سلبية مدمرة نتيجة انتشار مكامير الفحم النباتي ووصول مصر للمركز العاشر بين الدول المصدرة.
هذه المكامير التي تُنتج ملوثات بيئية وصحية شديدة، تتسبب في تدهور الأرض وتسمم الهواء والماء، متسببًا في أضرار جسيمة على صحة المواطنين ومواردهم الطبيعية. وعلى الرغم من التعهدات الحكومية بتقنين أوضاع مكامير الفحم ونقلها بعيدًا عن الكتل السكنية، فإن هذه الوعود لم تُترجم إلى واقع، مما يثير تساؤلات حول جدية الحكومة في معالجة هذه الظاهرة.
حرق الفحم والسموم الصامتة
إن حرق الأخشاب في مكامير الفحم ينتج انبعاثات سامة مثل الجسيمات الدقيقة PM2.5 وأكاسيد الكربون والنيتروجين، بالإضافة إلى مركبات عضوية مسرطنة. هذه الانبعاثات تمثل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة، خاصة في المناطق القريبة من المكامير، حيث تتسبب في أمراض مثل الربو والسدة الرئوية وسرطانات الجهاز التنفسي. وفيما يتعلق بالأراضي الزراعية، فإن رماد المكامير وتسرب السوائل الحامضية يغير كيمياء التربة ويؤثر سلبًا على إنتاجية المحاصيل مثل القمح والخضرواات.
من جهة أخرى، يعاني أهالي المناطق المحيطة بالمكامير من غياب الفحوص الدورية وبيانات علنية حول مستويات التلوث، مما يزيد من صعوبة حماية الصحة العامة وتحديد أوقات الخطر. هذا الوضع يترك المواطنين في حالة من الإهمال البيئي والصحي، وهو ما يجعل الحكومة مسؤولة عن التغاضي عن هذا الوضع المزري.
شهادات من الميدان: الواقع المؤلم
تُظهر شهادات السكان المحليين في مختلف القرى المصرية خطورة الوضع. تقول منى شوقي، ناشطة بيئية من كفر الشيخ: "تشغيل المكامير وسط الزرع والبيوت خيانة لحقنا في الهواء والماء. الأطفال يكحّون ليلاً ونحن بلا صوت". ويضيف محمد عطية، مزارع من بني سويف: "تربة الأرض اسودّت، والمحصول قلّ، ولو اشتكينا يأتينا الرد: القرار من فوق". هذه التصريحات تُظهِر بشكل جلي التأثير المباشر للمكامير على جودة الحياة في الريف المصري، كما تعكس عجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات حقيقية لمواجهة المشكلة.
اقتصاد الظل يحميه النفوذ
إحدى أبرز النقاط التي تستحق التساؤل هي تراخيص المكامير المشبوهة. العديد من المكامير تعمل تحت صيغة "توفيق أوضاع" مؤقتة أو خارج الحصر، ما يُنشئ مساحة رمادية تسمح لها بالاستمرار دون رقابة حقيقية أو تطبيق معايير بيئية. وفي هذا السياق، فإن الأرباح غير المعلنة تتوزع بين الموردين والوسطاء، بينما يتحمل الفلاحون والسكان المحليون كلفة تدهور الصحة والبيئة. يقول ناشط محلي من البحيرة: "المال يتحرك سريعاً، أما الغبار فيبقى في صدورنا". هذا يشير إلى أن الحكومة تتغاضى عن دور مافيا الفحم التي تربح على حساب صحة المواطن وبيئته.
مسؤولية الحكومة السياسية
جوهر النقد موجه إلى الجنرال عبدالفتاح السيسي وحكومته بسبب ثلاثة عوامل رئيسية:
غياب التشريعات الواضحة: لا يوجد خط فاصل واضح يمنع إقامة المكامير على مسافة أقل من 3 كيلومترات من التجمعات السكنية، مما يسمح بانتشارها في مناطق مأهولة بالسكان.
تعطيل خطط النقل والتحديث: رغم الوعود المستمرة، لا تزال الحكومة تؤجل أو تجزئ خطط نقل المكامير بعيدًا عن القرى، مما يفاقم المشكلة في الوقت الذي يحتاج فيه المواطنون إلى حلول عاجلة.
السردية التجارية: "التصدير أولاً" هي سياسة الحكومة التي تُعطي الأولوية للعملة الصعبة على حساب الحق الدستوري في بيئة صحية، وهو ما يعكس عجز الحكومة عن تحقيق توازن بين المصالح الاقتصادية وصحة المواطن.
ارقام واحصائيات
في 2023 بلغت صادرات مصر من الفحم النباتي ضمن بند HS 4402 نحو 11.611.6 مليون دولار بزيادة سنوية قدرها 67%67% مقارنة بـ2022 وفق قاعدة بيانات UN Comtrade عبر TrendEconomy.
وتقدّر منصة OEC القيمة لعام 2023 بنحو 35.35 مليون دولار ما وضعت مصر في المرتبة الثامنة عشرة عالميًا في تصدير الفحم الخشبي في هذا العام، ما يعكس اختلافات منهجية بين قواعد البيانات التجارية العامة في التغطية وأساليب التقدير.
شكّلت صادرات الفحم نسبة طفيفة من إجمالي الصادرات السلعية لمصر عام 2023 بلغت نحو 0.027%0.027% من إجمالي يقارب 4.242 مليار دولار بحسب نفس المصدر. في المقابل، استوردت مصر فحمًا نباتيًا بقيمة تقارب 3.183.18 مليون دولار خلال 2023، ما يشير إلى تدفقات تجارية في الاتجاهين داخل نفس البند السلعي.
وعلى مستوى 2024 بلغ إجمالي الصادرات المصرية نحو 65.345.3 مليون دولار وفق النشرة السنوية للجهاز المركزي للإحصاء، بينما لم تُنشر بعد تفاصيل مفككة للبند 44024402 لعام 2025، اعلن مصطفى مدبولي وصول مصر للمركز العاشر عالميا في تصدير الفحم ما يعني أن حصة أصبحت في تزايد جدًا ضمن سلة الصادرات الكلية.
الخلاصة إن تجاهل الحكومة لآثار مكامير الفحم على صحة المواطنين وبيئتهم من أجل الحصول على الدولارات يُعد خيانة لحقوقهم الأساسية. على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها وتتحرك فورًا لإيجاد حلول جذرية لهذه القضية بدلاً من التركيز على المكاسب الاقتصادية على حساب صحة الشعب وأرضه.

